إن أردتم تعريفا مبسطا للمريض عقليا أو نفسيا فهو، باختصار، من لا يتعظ من تجاربه أو تجارب غيره. وكذلك يكون المجتمع والحكومة. فالتاريخ علمنا أن الأمة التي تسكت أو تصبر على المستبد لعله يعود إلى رشده، ما هي إلا أمة مريضة ستدفع مستقبلا ثمن خنوعها وصبرها دما عبيطا. لذا قال أهلنا، وقد أحسنوا قولا: اعبر النهر ما دام ضيقا. وعبور النهر الضيق يحتاج همة لأنه إن اتسع سيتسع الشق ولا تنفع معه رقعة مهما كبرت.
لقد كان في انطلاقة شرارة الربيع العربي الأولى من تونس درسا لكل الطغاة العرب وللشعب العربي أيضا. لكن قليلا من الشعوب العربية فهم الدرس، وكل الطغاة لم يفهموه بدءا من مبارك والقذافي وليس انتهاءً ببشار الأسد. خذوا أياً منهم وستجدون انه لو اتعظ بما حدث لزين العابدين أو لصدام، لما ترك بلده من بعده نهبا للخراب والدمار وجريان الدم. لم يرحل أي منهم أو يتراجع عن ظلمه إلا بعد أن صارت أم محّين.
وأم محّين هي البيضة التي تحتوي على صفارين. اتخذها العراقيون مثلا فقالوا "صارت أم محّين"، كناية عن المشكلة التي لم يسارع أصحابها لحلّها فتتحول إلى كارثة أو مجموعة كوارث.
عندما تمكنت أمريكا من طرد صدام من الكويت، وجد العراقيون في طرده فرصة للانتفاض عليه وانتفضوا. أما هو ففقد السيطرة على العراق مختبئا ينتظر نهايته. كان أمر إسقاطه سهلا من قبل قوات التحالف. لكن في اللحظة الحاسمة تراجعت أمريكا بأمر من بوش الأب، وهي التي كان بمقدورها إنهاءه دون أن تخسر جنديا واحدا. لم تفعل وتعبر النهر الضيق بل عاد بوش الابن ليعبره عندما اتسع فصارت أم محّين، مثل أم حسين التي كانت بوحدة فرجعت باثنتين. آلاف الضحايا من الأمريكان وأضعاف أضعاف عددهم من العراقيين، وخسارة مليارات من الدولارات قصمت ظهر الاقتصادين الأمريكي والعراقي وعمّت على ظهر الاقتصاد العالمي كله. قولوا صارت أم عشرين محّاً، وليس محّين، وأنتم الصادقون. وهذا كله جرى بسبب حاكم لا يعرف تدابيره فأكلت حنطته شعيره وشعيرنا.
ما من مشكلة واحدة إلا وفرّخت مشكلتين أو أكثر من اليوم الذي تولى المالكي به الحكم إلى اليوم. فالسياسيون الذين خبروه جيدا بالولاية الأولى، يوم كانت البيضة بمحّ واحد، عادوا ورشحوه لولاية ثانية، فصارت ، بفعلتهم، "أُم محيّن" وقد تصير أُم ثلاثة لا قدّر الله.
أُم مـحّيـــــن
[post-views]
نشر في: 25 مارس, 2013: 09:01 م
جميع التعليقات 1
قاسم عبد الله
استاذي الفاضل..... كلامك ذهب وستكون نهاية المالكي اسوء من جميع الطغاة ولكنها نهايه وع الاسف ستجلب الخراب والخراب للعراق والمنطقه جمعاء....