وارد بدر السالم جريمة يوم الأحد التي شغلت الرأي العام العراقي وجعلته ينظر الى القادم من الأيام بعين الشك والريبة ، كشفت مرة أخرى عن ضعف كبير في أداء الأجهزة الأمنية المكلفة بحماية المكان الذي تقع فيه وزارتا العدل والأشغال العامة . فإما أن تكون هذه الأجهزة مخترقة من قبل الإرهابيين أو متواطئة معهم أو غافلة عما يجري من حولها وقد اصابها الكسل والإهمال .
وكل هذه الاحتمالات كارثية بطبيعة الحال إن صحت ؛ فالاختراق الأمني محتمل والتواطؤ محتمل والإهمال محتمل . ولنا في أحداث سابقة ما هو متحقق في هذه الثلاثية الخطيرة ، ليس أقلها جريمة الأربعاء الأسود الماضية التي أفصحت عن تواطؤات مثيرة للجدل كما أعلنها المسؤولون ؛ أما الإختراقات فهي واقع حال ملموس بدلالة أحداث شتى من تفجيرات واغتيالات ولصوصية وأحداث أخرى غيرها كشفت أيضاً عن اختراقات في الأجهزة الأمنية باعتراف المسؤولين ، غير أن الإهمال والتقاعس هو آخر الاحتمالات التي علينا أن لا نصدقها كثيراً ، فالعراقيون يعرفون أن ما يتعاطاه رجالات الأمن في الجيش والشرطة الوطنية وبقية الأجهزة الأمنية من لوائح مالية ، تكفي لأن تُبقي العيون ساهرة والسواعد مشرعة والحواس متيقظة. احتمالات التواطؤ المخزية واردة كما كشفتها جريمة الأربعاء الأسود الماضية .واحتمالات الإختراق واردة هي الأخرى ولا نزيد عن ذلك . فالإرهابيون والمجرمون مهما كانت توصيفاتهم وتسمياتهم ومناشئهم يلعبون في ساحات الخصوم بكل طريقة تخدم أغراضهم الدنيئة. ويبتكرون أي أسلوب جديد لإيذاء الشعب الذي صار بين المطرقة والسندان ولا يعرف كيف يتفادى الضربات وكيف يتصرف إزاء حكومة أثبتت الكثير من العجز في مواجهة الإرهاب والخارجين عن قواعد الإنسانية . فإذا كانت الإنتخابات القادمة هي المحرك لهذا التدمير المنظم كما يريد أن يصورها لنا البعض من المسؤولين ، فهو عذرٌ أقبح من ذنب ! وإذا كان هذا الفعل الدموي علامة من علامات التحدي ، فقد أثبتت الحكومة بمرافقها الأمنية والإستخباراتية المختلفة ، أنها متخلفة كثيراً عن المواجهة الحقيقية لهؤلاء الذين يريدون إعادة العجلة الى الوراء ، ولو بقتل الناس الأبرياء وتحطيم بُناهم التحتية ومرافقهم الخدمية. إن تدويل جريمة الأربعاء الأسود الماضية ، لم يكن إلا طريقة للهروب الى الأمام ، ولا يريد أحد أن يتعظ من تدويل جريمة مقتل الحريري في بيروت التي مر عليها أربع سنوات ، فضاع دم القتيل وضاعت ملامح المجرمين في سجلات الأمم المتحدة واللجان القضائية التي لا نعرف لماذا استهلكت كل هذا الوقت ولم تقل شيئاً حتى الآن ! ولهذا نخشى أن تُدوّل جريمة الأحد أيضاً كسابقتها الأربعائية ، ليضيع دم الشهداء الأبرياء ولا نحصد سوى وعود من جهات خارجية ، وبالتالي تتكدس الملفات القضائية والتحقيقية في أروقة المحكمة الدولية وتمر السنوات ويضيع كل شيء ، فيما المجرم بيننا واضح الملامح ؛ يسعى ليل نهار لتفجير الأزمات الداخلية ، وانتهاك الأمن الشخصي للمواطنين ، ونشر الفوضى في المجتمع ، في أخطر تحدياته لحكومة يتجاذبها المد والجزر في كل حين. وهي تعوّل على منشأة عسكرية وأمنية ضخمة بالمقاييس كلها كي تحفظ الأمن العام للعراقيين ، لا الأمن الشخصي لثلّة من المسؤولين الحكوميين والبرلمانيين الذين ثبت أنهم ليسوا كباراً في مواجهة الأزمات الخانقة.. أما الجرائم التي تقع بين وقت وآخر وبهذه الحجوم المروّعة ، فهي مشروع قذر لإبادة جماعية لشعبٍ لا يملك غير الإنتظار العاجز ، وهو يلملم جراحه وينشىء متحفاً لدمائه المهدورة على الطرقات والشوارع.. وفي وضح النهار..!
فــــارزة: متحف لدماء العراقيين!
نشر في: 27 أكتوبر, 2009: 08:22 م