بين عجزه عن التمديد للواء أشرف ريفي، على رأس المؤسسة الأمنية الضامنة للتوازن الأمني والسياسي في البلاد، وما يقال عن تدخلات خارجية، أبرزها رغبة أميركية سعودية بتغيير قواعد اللعبة في لبنان، بعد تورط حزب الله في سوريا، ورفضه لقانون الانتخاب الارثوذكسي المقترح، وجد نجيب ميقاتي نفسه في موقف لا يستطيع فيه غير تقديم استقالته، لاسيما أن سوريا تتجه نحو منعطفات حاسمة، بعد تطورات ذات طابع ميداني،
يرى بعضهم أن الاستقالة قد تكون مفتاحاً لمعالجة الكثير من الأزمات، عبر تشكيل حكومة جديدة، نتيجة تفاهمات بين رئيس الجمهورية وميقاتي وجنبلاط والحريري، وجعجع والجميل، لكن مثل هذه الحكومة إن تشكلت ستكون ضد رغبات حزب الله، الذي يقال إنه يسعى للحفاظ على الاستقرار الداخلي، بعيداً عن موقفه الداعم للنظام السوري، ما يدفعه للبحث عن تفاهمات توفر له غطاء، بعد سقوط الحكومة، التي كان صاحب القرار فيها، وراهن أنها لن تسقط قبل إجراء الانتخابات النيابية، والأمر ليس بهذه السهولة، ذلك أن التطورات التي دفعت ميقاتي للاستقالة، وضعت بلد الارز في حالة فقدان التوازن ، مع حكومة تصريف أعمال، عاجزة عن اتخاذ قرار لمواجهة الشرر المتطاير من الحريق السوري، وأوضاع اقتصادية صعبة، قد تقود إلى انفجار يشكل متنفساً للنظام السوري.
يرى بعضهم أن حزب الله أخطأ حين اعتقد أن ميقاتي لن يستقيل، وأن المجتمع الدولي سيتدخل لثنيه حفاظاً على الاستقرار الهش، فيما يطرح آخرون أسئلتهم عن أهداف الذين دفعوه إليها، وهل لذلك علاقة بمواقفه التي أغضبت حكام دمشق، لكن الواضح أن تيار عون سيكون الخاسر الأكبر، مع استحالة عودته للحكومة بعشرة وزراء، أمّا تيار المستقبل، فإن الأحلام السائدة عنده اليوم، هي طرح اسمي الحريري والسنيورة لتشكيل الحكومة، في حين يبدو أن جنبلاط الأكثر ارتياحاً، لأن الجميع بحاجة إليه، وسيظل على اللبنانيين انتظار توافق إقليمي على الملف السوري، الذي تتحكم به دول كبرى، لم تتفق بعد على مآلات ما يجري فيه.
تأخر ميقاتي في الاستقالة، التي بدت واجباً يوم توقيف الوزير السابق ميشال سماحة، ويوم اغتيال العميد وسام الحسن، الذي لعب الدور الأساس في كشف الكثير من خبايا اغتيال الرئيس رفيق الحريري، لكنه في الحالتين فضّل التريث، لإدراكه خطورة الإقدام على هذه الخطوة في تلك الظروف، وهو كان على قناعة بأن نسائم الربيع العربي لن تمر على سوريا، بنظامها الأمني المسيطر على الأوضاع منذ أكثر من أربعين عاماً، لكن الرياح جرت بغير ما كان يتوقع، حيث وصلت إلى بوابات دمشق، وبدأت مرحلة جديدة تتمثل في العنف الذي ضرب استقرار جارته الشمالية، ونتجت عنه عزلة نظام " الصديق الأسد" عربياً ودولياً، وتفاقمت الأحداث موصلةً ميقاتي إلى قناعة بأن الأزمة في سوريا دخلت مرحلة اللا عودة.
سيعيش لبنان فراغاً حكومياً لفترة طويلة، يأخذه إلى المجهول، ما يحتم الذهاب إلى تسويات تاريخية على مستوى اتفاقي الطائف والدوحة، وبما يمنع انقلاباً على دستور البلاد يقال إن حزب الله وجماعة عون يخططان له، مع أن عليهما توخي المزيد من الحذر، بعد انحسار النفوذ الإيراني والسوري، ودخول الأزمة السورية في مراحل الحل، التي لن ينجو حزب الله والذين معه من نتائجها، وليس صحيحاً أنه لم يعد مفيداً لحزب الله، الاستمرار بحكومة ميقاتي، بعدما كانت وظيفتها الأساسية ضرب حكومة سعد الحريري، وليس صحيحاً أن ذلك الحزب دفع ميقاتي إلى الاستقالة، لأنه يشعر أن عليه التحرك، في إطار الأزمة السورية، بينما هو يسعى للتنصل من نتائجها.
السؤال المطروح اليوم لا يتعلق بمستقبل ميقاتي، إنما بمستقبل لبنان، والمؤكد أن على الجميع التوافق على شعار "لبنان أولاً"، كي يحفظوا وطنهم، ولا يسهموا بنحره.
استقالة ميقاتي بين ضغوط الداخل وإملاءات الخارج
[post-views]
نشر في: 25 مارس, 2013: 09:01 م