TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > محراب للانثروبولوجيا

محراب للانثروبولوجيا

نشر في: 27 مارس, 2013: 09:01 م

هل حدث أن شعرت بأن يومك منحوس؟ ثم تذكرت بأنه فعلاً من الأيام المنحوسة، كاليوم (13) من كل شهر، أو يوم الثلاثاء من كل أسبوع، كما يعتقد بعض الناس؟ حسن لقد حدث هذا معي في يوم الثلاثاء الماضي، الذي كان متعباً من بدايته إلى نهايته، لكنني لم التفت خلال هذا اليوم إلى "منحوسيته"؛ أما لأنني لا أؤمن بالنحس، أو لأن جميع الأيام في العراق منحوسة.

على كل حال، وقبل أن ينتهي يومي ميتاً على الفراش، قررت أن اقرأ قليلاً، وحدث أن تصفحت كتاباً عن بعض العقائد "التقليدية"، وفوجئت بأنني اطالع فصلاً عن النحس عند المجتمعات "المتحضرة"، وأن الكثير من أفراد هذه المجتمعات، (مثلاً)، يرفضون السكن في بيت يحمل الرقم (13)!! مما يضطر البلدية إلى استخدام الرقم (12.5) لترقيم البيت الذي يأتي تسلسله الثالث عشر بين البيوت.

عند هذا الحد تذكرت بعض اللغط "الأكاديمي" الذي يدور حول جفاف مواضيع البحث الانثروبولوجي، وأن هذا الاختصاص المعني بدارسة الشعوب البدائية أو ما قبل الكتابية، لم يعد لديه ما يفعله، بعد أن كادت هذه المجتمعات أن تختفي من الوجود. فقلت لنفسي ساعتها: إذن من سيخبرنا العلة الكامنة وراء إيمان إنسان ما بعد الحداثة بالنحس، وتطيره من بعض الأيام أو الكائنات أو الوقائع؟

تشتبك مواضيع الاختصاصات بشكل معقد، ولا نكاد نستطيع فصل العلوم عن بعضها منطلقين من مواضيع أبحاثها. لكن تبقى الانثروبولجيا، أكثر العلوم قدرة على تحويل الإنسان من كونه باحثاً إلى كونه مبحوثاً. نعم يفعل ذلك علم البيولوجيا، لكن بتعامله مع الإنسان باعتباره قطعة لحم، ونعم يفعل ذلك علم الاجتماع، لكنه يدرس الظاهرة الإنسانية من الخارج ولا يلج محرابها المقدس.

ما أريد الوصول إليه، أن الإنسان كائن واع، وان الوعي هو الرحم الذي خُلقت فيه الحضارة الإنسانية، التي ميزت الكائن البشري عن باقي الكائنات. ومن هنا فالانثروبولوجيا، مُطالبة بدراسة الزوايا الخفية داخل الوعي البشري؛ لأنها تدرس الإنسان بما هو إنسان، لا بما هو فرد في المجتمع، كما يفعل علم الاجتماع، ولا بما هو جسد كما تفعل البيولوجيا.

لماذا يتطير إنسان القرن الواحد والعشرين، لماذا يحسد أو يؤمن بالحسد، لماذا يخاف من الظلام، لماذا يشعره المجهول بالرعب، لماذا يتجاهل العلم ويحاول اللجوء إلى السحر؟ ما معنى الأبوة والأمومة والبنوة؟ ما معنى الصداقة؟ وهل لهذه العلاقات مبررات موضوعية، أم أنها قضايا ذاتية بحتة؟ إلى آخر هذه الأسئلة المحيرة، التي تقف علامات استفهامها على أبواب الانثروبولوجيين ويكاد الملل أن يقتلها.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 2

  1. رمزي الحيدر

    ماذا تقول الأنثروبولوجيا عن النحس الذي أصاب العراق و شعبه؟؟؟؟...

  2. رمزي الحيدر

    ماذا تقول الأنثروبولوجيا عن النحس الذي أصاب العراق و شعبه؟؟؟؟...

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: "علي بابا" يطالبنا بالتقشف !!

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

العمود الثامن: صنع في العراق

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

العمود الثامن: المستقبل لا يُبنى بالغرف المغلقة!!

 علي حسين منذ أن اعلنت نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة، والطاولات الشيعية والسنية تعقد وتنفض ليس باعتبارها اجتماعات لوضع تصور للسنوات الاربعة القادمة تغير في واقع المواطن العراقي، وإنما تقام بوصفها اجتماعات مغلقة لتقاسم...
علي حسين

إيران في استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الجديدة

د. فالح الحمـــراني تمثل استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الجديدة، الصادرة في تشرين الثاني تحولاً جوهرياً عن السياسات السابقة لإدارتي ترامب وبايدن. فخلافاً للتركيز السابق على التنافس بين القوى العظمى، تتخذ الاستراتيجية الجديدة موقفاً أكثر...
د. فالح الحمراني

ماذا وراء الدعوة للشعوب الأوربية بالتأهب للحرب ؟!

د.كاظم المقدادي الحرب فعل عنفي بشري مُدان مهما كانت دوافعها، لأنها تجسد بالدرجة الأولى الخراب، والدمار،والقتل، والأعاقات البدنية، والترمل، والتيتم،والنزوح، وغيرها من الماَسي والفواجع. وتشمل الإدانة البادئ بالحرب والساعي لأدامة أمدها. وهذا ينطبق تماماً...
د. كاظم المقدادي

شرعية غائبة وتوازنات هشة.. قراءة نقدية في المشهد العراقي

محمد حسن الساعدي بعد إكتمال العملية الانتخابية الاخيرة والتي أجريت في الحادي عشر من الشهر الماضي والتي تكللت بمشاركة نوعية فاقت 56% واكتمال إعلان النتائج النهائية لها، بدأت مرحلة جديدة ويمكن القول انها حساسة...
محمد حسن الساعدي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram