تبرز تجربة التشكيلي العراقي المغترب ستار كاووش على نسقية الأداء التعبيري المشبع بخيوط تجريدية واضحة ، ويمكن الإمساك بأعماله من خلال انسراحه في الغور ببؤرة النسق الأدائي الواضح ، او من خلال نمطية الأداء الذي أعطى مسحة واضحة عرفت خلالها الأبعاد الفنية
تبرز تجربة التشكيلي العراقي المغترب ستار كاووش على نسقية الأداء التعبيري المشبع بخيوط تجريدية واضحة ، ويمكن الإمساك بأعماله من خلال انسراحه في الغور ببؤرة النسق الأدائي الواضح ، او من خلال نمطية الأداء الذي أعطى مسحة واضحة عرفت خلالها الأبعاد الفنية التي تمتع بها ، ومنذ فترة ليست بالقصيرة وأنا أتابع بحذر أغلب ما يقدمه من لوحات فنية ، فقد كشفت عن وحدة موضوعته ، على الرغم من امتلاكه لمهارات الأداء التشكيلي الحديث ، فاللوحة عند (كاووش) لها أبعاد متعددة ، فهي ليست ابنة الشكل الفني الحديث ، انما هي مشروع جمالي له وظائف أخرى ، وهذا ما جعلنا نتعامل معها على أنها مليئة بالثيمات الحاضرة في يومياتنا ، ولكن بتقنية مختلفة وخاضعة لسلطة اللّوحة ذاتها .
واذا ما حسبنا أسلوبه الطافح في جميع لوحاته ، فانه يظهر المسحات الجمالية من خلال العلاقات الثيمية الحاضرة في كل لوحة ، حيث تقنية الأسلوب ومهارة الشكل ، يمكن ان نسميه باللّغة الفنية التي يعمل عليها الفنان ، او ان الطريقة الأدائية تنطوي عند حدود ما يسمى بشعرية الشكل الفني ، وهنا تقف قصدية العمل التشكيلي عند كاووش بدلالات البناء الذهني ، بمعنى انها تسير بمخيلة واسعة ، ثم تتحول عبر الإسقاطات الى إطار واضح الدلالة ..
في حين تستدعينا لوحات الفنان الى التمعن فيها مرات عديدة ، لنكتشف ثمّة علاقات حضورية مكرورة داخلها ، علاقات دفعت الفنان الى رسم حدود خاصة به ، لايمكن الخروج عنها ، وهذا ما لم ينتبه له في جميع تجاربه ، فاللّوحة التشكيلية لا تكفينا ان نستمتع بها بصريا ، انما المتعة تكمن أيضا في الأبعاد الفلسفية والجمالية ، فهي نص خاضع للقراءة والنقد ، وستار كاووش أغفل الكثير عن ذلك ، مكتفياً بطريقته هذه التي كشفت عن جدل (علائقي) مستخلص لثيمة الرجل والمرأة ، وحولها الى إيقونات ، عبر بهرجة اللّون وتقانة الشكل ، وميوعة الجسد واسترخائه القصدي وبذبذباته الإيحائية ، كل ذلك سحب المتلقي للإصغاء إليه ،فـ( الوجوه .. الأجساد .. الشراشف.. الحيوانات الأليفة ، وغيرها ) ، بانت بشكل لافت للنظر ، غير ان اعتماده على الألوان الحارة والمضيئة والبارزة بالدرجة الأساس مع الألوان الأخرى ، كانت دقيقة جداَ ، بل هي جزء مهم في اشتغاله الفني لأمر يتعلق بشهية هذه الألوان وإثارة الجانب (الايروسي) المتناظر مع الموضوعة المشتغل عليها ..
لمسنا أغلب لوحات الفنان أنها لا تمتلك فضاءات داخلية في إطاراتها ، الأمر الذي جعلها مكتظة بالشكل المعمول عليه ، لا أعلم إن كانت هذه الطريقة جاءت عن تأنٍ مدروس ، أم هي تلقائية منبسطة بشكل فطري ؟.. المهم اننا لمسنا من حيث الموضوع التنقيب الفاحص والغور بتفاصيل الشكل ، إنها اعتمدت على ثنائية الشكل واللون .
إما اذا ركزنا على مسألة الإنشاء ، ونلتقط وحدة الموضوع الراكز في لوحات الفنان ، فانه يتوجب عليها ـ اي اللوحات ـ الإعلان عن الانتماء الموضوعي للمثيولوجية الشرقية ، من خلال التركيز على مسألة العلاقة الحسية لثنائية الرجل والمرأة او للايقاع البصري لجسد المرأة او لثيمة (التفاحة) التي ظهرت كثيراً في لوحاته ، ولعلني اجزم انها مستعارة من الوحي المثيولوجي الكاشف عن خطيئة آدم وحواء ونزولهما الى الأرض ، ليكون فعل الأداء (الايروسي) حاضرا في وعي الفنان ، ومن ثم في عين الآخر/المتلقي ..
ان جلّ الأعمال التي شاهدناها في تجربة الفنان في مناسبات مختلفة تتصل بوعي ذاتي معبر عن آلية فنية معتمدة ضمن إطار موضوعي معين ، فهي تنحدر من النسق التعبيري المجدد للأشكال ، مع الاستكشافات الثيمية المجاورة والمتفاعلة داخل إطار كل لوحة ، ولكن كل ذلك وضعنا تحت تساؤلات مشروعة ، تساؤلات تقف عند حدود قراءة الأشكال بوصفها تحمل بعدين ، (الأول) انها تسير ضمن نمط فني واضح الدلالة لموضوعة الشكل التعبيري المجرد،(الثاني ) انها أي الأعمال ـ تخضع لموسيقى داخلية ، تكشف عن فعل درامي يكتمل في ذهنية المتلقي ..
نستخلص ذلك بسؤالنا للفنان كاووش ( الى اي مدى يمكن استحضار تقنيات تشكيلية أخرى تغاير ما شاهدناه من نسقية فنية / تشكيلية في ظل الاستحداثات المعاصرة في اللّوحة ؟)..
إن الفنان حين يكمل لوحته ، ينسرح الى عالمه الواقعي ، شاعراً انه امتزج مع هذا العالم ومع كل المحسوسات التي تدور فيه وحوله ، لكنه عالم خارجي ، وما يعني أصحاب الشأن الغور ببواطن الأشياء ، وان لسلطة النقد حق الكشف عن المسكوت عنه ، او عن المعنى الضامر ، وأجدني على محك مباشر مع الفنان لفتح شفرات أعماله ، حيث جميع الأشكال وإن كانت واضحة الدلالة ، تحمل في دواخلها الكثير من الشفرات الجمالية التي بحاجة الى فتحها ..
لا أعرف الى اي حدّ يمكن ان يصل به الفنان في صياغة واحداث ثيمية راكزة ، اعماله بعد هذا الجهد الممتد لسنوات طويلة ، بدأت تقدم نفسها ، او بالأحرى بانت ملامحها من خلال الأنموذج الواحد ، وإن تعددت موضوعاته واستخداماته اللّونية ، ما وددت ذكره ، إننا حين نقف أمام لوحة ستار كاووش ، فإنها تستدعينا لتجارب سابقة ، غير انه أفاض لنفسه الوقوف على مستوى الاشتغال الفارض لقوانين الآخر العام ( المتلقي غير المختص) ، في حين أغلب فناني جيله يعملون على مغايرة نسقية الأداء عبر فضاءات تجريبية/ تجريدية ، ولإبرهن كلامي ، قمت بعرض أعماله على فئة عامة من الناس ، وأخرى مختصة بجماليات الفن التشكيلي ، فكانت النتيجة واحدة ، انها تتمتع بمهارة الشكل ومتعة الموضوع ، وهذا ما جعلنا نؤكد انه فنان تشكيلي أتقن لعبة اللّوحة ، وأتقن موضوعتها .