TOP

جريدة المدى > غير مصنف > عزيز علي..تحليق للأعلى

عزيز علي..تحليق للأعلى

نشر في: 28 أكتوبر, 2009: 05:04 م

عادل الهاشمي - ناقد موسيقي عزيز علي اسم تثبت في حاجات ثقافتنا اليومية خاصة بالنسبة للذين عاشوا ايامه في الكدح الغنائي الذي كان يقدمه مساء كل اربعاء من كل اسبوع عبر الاذاعة العراقية التي تأسست عام 1936 ، كانت الاهداف التي قامت عليها اغانيه تقوم على المواجهة المباشرة مع المشكلات،
فهو كمن يقول (متاعبنا تحيا فينا) الاغنية كانت عنده تفجر رعشة ! لم تكن اغانيه أو مونولوجاته (الاصح تعبيراً) معجونة بالعطور وبألوان البراري ونعومة ملمس النساء، بل كانت نداءً يخط على صفحة الزمن ليوقظ الناس من غفوتهم ليقول لهم، انا معكم في محنكم وفي جوعكم وفي ألمكم وفي عذابكم لكن الخلاص من كل ذلك لايجعلنا نستكين ونجلس القرفصاء ، بل نتحرك الى افق العمل اليومي من اجل ان يكون للعامل بدلة وللفلاح حذاء يحتذيه، وللمرأة صوت تعبر من خلاله عن عالمها وللانسان حقه في التعليم ، وللعاجز حقه من رعاية الدولة له، وفي صميم الخلق الغنائي ، كانت الفترة التي ملأها عزيز علي بمثابة "اشراقات" وهي فترة بدأت في عام 1937 وانتهت في عام 1958 وقد توزعت على مراحل ثلاث ، المرحلة الاولى ، ابتدأت بعد تأسيس الاذاعة العراقية في عام 1936ـ في الاشهر الاخيرة ـ حتى نشوب الحرب العالمية الثانية في عام 1939، المرحلة الثانية، وقعت مابين عام 1939 وحتى الأشهر الاولى من عام 1941 (مايس) ثورة رشيد عالي الكيلاني. المرحلة الثالثة، انطلقت ، من الأشهر الاولى من عام 1948 وأنتهت في الشهر الثالث من عام 1958. الصدى الصوتي للعصر أتسمت مونولوجات عزيز علي بالوضوح واستعمال الاشارات وترصين البيت الغنائي بالامثال البغدادية ، وكانت هذه المونولوجات بأجمعها هي الصدى الصوتي لعصره ، لأنه كان يضع تحديداً لبعض المشكلات تلك التي لاتحديد لها ، لم تكن مونولوجاته مزجاة بالعطور والاصوات والالوان، كانت هتافاً صميمياً من رجل لايجيد الغناء المملوء بالآهات، بل كانت مونولوجاته لغة الروح للروح غنية بالمفاجآت ، بعيدة عن كل تأنق فارغ وكل هوس جارف، أنها لغة فيها صدمة للغافين لتأخذهم بموسيقاها اللفظية وصورها وطرافتها وتركيباتها، والمونولوج عند عزيز علي هو تكثيف الدهشة ، والتبسيط والابتعاد قدر الامكان عن كل تركيب لفظي منمق ومتصنع ، وعزيز علي قد غنم من هذه الملامح التي اتسمت بها مونولوجاته ، فكان المونولوج العائد له هو التعبير باللغة البغدادية المحمولة الى نمطها الاساسي، وربما للصدق الذي حوته مونولوجاته ، يكون عزيز علي هو الرعشة الروحية لحياتنا الفنية في الوطنية العراقية والقومية العربية، كانت مونولوجاته غير غافلة عن مآسي حياة الناس كانت مونولوجاته عن الفساد، هي النار التي تحرق، ومونولوجاته عن الوطن هي الشعلة التي تضيء، من هنا تحصن عزيز علي من الجمل الجوفاء في المونولوج الذي يغنيه ، بل كان المونولوج في حد ذاته صورة كبيرة تتفتح حول فكرة اجتماعية او سياسية او تربوية او اقتصادية ، وتبعث بقوة طيبها في كل سطور المنولوج، فهل كانت مونولوجاته تتوشح في التعبير برمزية هي بمثابة عقيدة جمالية؟ القوّال يقول (مورياس) في جريدة الفيغاروالفرنسية في ايلول عام 1886 (كان في الروحية نفسها والتعابير ذاتها تقريباً ـ الفكرة في ذاتها، الجميل سمو الروح ، وان على الفكرة ان ترتدي شكلاً محسوساً يكون ملائماً لها في جميع ابعادها) كان عزيز علي يردد دائماً " انا قوال ، اقر بذلك لأنها الحقيقة التي تهتز في نفسي " فهو فنان الالهام والتحلية والحقيقة، والصدق ، أنفعل بحزنه الداخلي، وهو رجل عصامي رقيق الحال لايملك داراً ولا دواراً، يعيش على راتبه المحدود جداً مع عائلة قوامها ثمانية أنفار، لم يتوقف عند ميوعة مغني عصره ولابهرته شهرتهم ، واذا كان الغناء في عصره أختلاجات وآهات وتنهدات ، فأنه في صنيعه (فن المونولوج) أعاد إليه نبرته الخطابية المجلجلة منفتحاً على العالم المحيط به، مطوقاً نبرته الالقائية بشذى المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والانسانية ، كان زاهداً يتوضأ بنور الوطن وكان فناناً أميراً لكون آخر ولصراحته وحده ايمانه بقضيته ، تبدو الرمزية في فنه محملة بأكثر مما تطيق ! فلم يكن يعبأ كثيراً بتسجيل اللحظة الهاربة من حياته، ولا الانسياق المدوخ في دوامة الاحاسيس ولا كان يضفي منطقا مرئيا على العناصر الخيالية، فليس لديه من تشوه الروح والخدر والغموض ، وعليه يمكن التساؤل فيما اذا كان عزيز علي هو تطبيق خاص لطاقات الالقاء والتنغيم والاداء واللفظ، وفي حين نجد ان العمل الغنائي لديه يفرض على كل لحظة موصوفة من الزمن موقفاً! وواقع الحال انه لم يتنبه الا الى العزم والحزم في فنه، فهو من أقتضته الضرورة ليست الضرورة الفردية، بل الضرورة الانسانية لمجتمع بأسره ، لذلك قدم مونولوجاته نظيفة في مراميها الشريفة وليست مزروعة بالصدوع والشقوق ، غير ان مونولوجاته تعكس ذلك القلق الذي هو النتاج الجدي للابداع، صحيح ان معظم المواقف التي سطرها في مونولوجاته يمليها ويدفعها ويسببها ردود الافعال التي تدرب في الفنان شكيمته القوية في مواجهة كل اعصار ذاك الذي لايضيع منه الحافز في العلاقة بين التلقائية الفردية والمعيار المشترك! أن اخلاقيته تقدم العديد من الاوا

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

"إعادة العرض": لوحات فنية ترصد مأساة العراق

اعتقال صاحب منزل اعتدى على موظف تعداد سكاني في الديوانية

البرلمان يستأنف جلساته الاسبوع الحالي بعيداً عن التشريعات الجدلية 

مقالات ذات صلة

غير مصنف

"إعادة العرض": لوحات فنية ترصد مأساة العراق

بغداد/ المدىيعرض معرض "إعادة العرض" الفني، الذي يجمع أعمال فنانين عراقيين من داخل الوطن وخارجه، لوحات حية من تاريخ العراق المعاصر.ويسلط المعرض الضوء، من خلال لغة السينما، على التحديات التي واجهها الشعب العراقي على...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram