قحطان جاسم جواد بعد ان قاطع عزيز علي الاذاعة بعد ثورة تموز 1958 عاد اليها عام 1966.. ليقدم برنامجا جديدا بعنوان (في رحاب الفن) وقد خلق البرنامج ضجة كبيرة في الاوساط الفنية والثقافية لجرأة آرائه.. وقد تناول فيه عزيز علي الكثير من المواضيع المهمة فشرح كيف تسللت اغاني المواخير – او الملاهي- الى الغناء العراقي واثرت فيه.. وكيف ظهرت الابوذية والبستة في أماكنها المعروفة..
ثم بين ان المقام العراقي الذي نسمعه الان لم يكن ذلك المقام الذي عرفه العرب ايام العباسيين، بل دخلت اليه الالفاظ الاعجمية والتركية وصارت هي الاساس فيه.. كما نادى عزيز علي بتخليص المقام العراقي من الهمهمات والدمدمات التي يقولها مطرب المقام.. وما ان انتهى الجزء الاول من البرنامج حتى بدأت حملة شعواء ضد عزيز علي شارك فيها الفنانون والادباء لاسيما اولئك الذين شعروا بأن مصالحهم قد تتأثر بما قاله.. في الحلقة الاولى من البرنامج (في رحاب الفن) الذي اذيع في 3 شباط 1966 قال عزيز علي: -لئن كان الغناء مرآة تعكس صور حياة الامم والشعوب، في ضوء النظم الاجتماعية والثقافية والسياسية التي نعيش في ظلها وتعكس امالها وامانيها وما تصبو اليه في الحياة.. فان الغناء الى جانب هذا وسيلة جبارة من وسائل تغليب الاراء والافكار المرغوب بها، من جهة وسلاح ماض من اسلحة تقويض الافكار والاراء غير المرغوب بها من جهة اخرى.. فاذا كان الامر كذلك، فليس لنا نحن العرب، الا ان نعلن آسفين ان اغانينا، هنا وهناك في البلاد العربية، اكثرها لايعبر عن مشاعرنا واحاسيسنا في هذه المرحلة ولايعكس ميولنا وهمومنا.. ويحدد عزيز اسباب جمود وتدهور الغناء عندنا قائلا: -هناك عدة اسباب جعلت اغانينا تتخلف عن مسايرة ركب حضارتنا وتقدمنا ابرزها.. 1-ان كلمات اكثر اغانينا ما كان ينظمها وينغمها غير حفنة من الاميين واشباه الاميين، فلا غرابة ان نرى افقها محدودا الى درجة ملحوظة. 2-تحريم اختلاط الجنسين في مجتمعنا الى عهد قريب وعزل المرأة عن الرجل كان له الاثر الكبير في التحلل الذي شاع بتعابير بعض اغانينا بهذا الشكل المخجل المفضوح.. 3-ولاننسى ان الاستعمار حاول ان يحطم معنوياتنا ويشيع روح التخاذل في المجتمع وهي نتيجة انعكست في كلمات وانغام أغانينا المثقلة بالبكاء والنواح.. ثم يضيف عزيز علي في برنامجه قائلا: ودعا كل الشعراء والادباء للمساهمة الفعالة في رفع مستوى اغانينا.. وان ينظروا الى الفن على انه عالم له رسالة سامية ونبيلة وليس شتيمة او سبة للانسان.. والواجب يدعونا – كما قال- الى غناء يعبر عن واقعنا وينقل لابنائنا وللعالم مشاعرنا واحاسيسنا وآمالنا. في الحلقة الثانية من برنامج (في رحاب الفن) الذي اذيع في 9 شباط 1966 قال عزيز علي: -شخصنا سابقا ان الاغاني كان يعدها وينتجها للاستهلاك المحلي نفر معين من الاميين الذين كانوا يعششون في المواخير والملاهي الرخيصة وغالبا ماكانت هذه الاغاني تعد لحساب من كن يسمين انفسهن بمغنيات وهن لسن كذلك.. ومن الطبيعي انهن بعرضهن الغناء والجسد عبر الرقص ليستمتع به الحاضرون.. كذلك كان الذين يلحنون و (ينغمون بعبارة اصح) هذه الاغاني الرخيصة يختارون الالحان التي تهز (الوسط) وليس الوجدان ولاهم لهم سوى الربح المادي على حساب القيمة الفنية للغناء نفسه.. لذلك ليس غريبا ان نرى هذا الهبوط والانحلال في اغانينا.. وعزيز يفرق بين اللحن والتنغيم فالاخير هو عبارة عن مد الكمات وترديدها بالتواءات صوتية قد ترتفع او تخفض.. وقد تقوى او تلين، بدون مراعاة لمعاني الكلمات او حتى لنطقها مثال (مثل ماح.. ما.. ماح) ثم يكمل المطرب (حر.. حرمت) الخ.. ويقصد بالقول (مثل ما حرمت نومي).. وهكذا يتشوه معنى الكلمات في الاغنية الواحدة لمسايرة النغم! في حين التلحين هو في واقعه ترنيم الكلام وترتيله بتوافق وانسجام ترتيلا يعبر عن معاني الكلمات بالنسبة لمواضعها مع مراعاة جانب التطريب والتجويد.. كما تحدث عزيز علي عن الابوذية وكيفية نشأتها في ريف العراق الجنوبي وحلل اسباب الحزن في هذا اللون من الغناء.. وقد انتشر هذا الغناء حتى في المدن وبات اهل المدينة يرددون بكائيات هذا الغناء حتى في الافراح والاعراس.. وهذا امر عجيب على حد تعبيره فاذا كان الفلاح يغني بحزن نتيجة لظروفه وطبيعة عمله.. فما بال مطرب المدينة الذي يعيش في حياة هانئة قياسا لابن الريف.. في الحلقة الثالثة من برنامج (في رحاب الفن) الذي اذيع 24 شباط 1966 قال عزيز علي: -مسألة الآهات والونات والحسرات في اغانينا.. لاسيما تلك الاغاني التي تذاع في الاعياد وغيرها وقد طالب بايقافها بسبب عدم ملاءمتها للظروف المحيطة.. وقال ان الاعداء فقط هم الرابحون من عويل اغانينا وهم يتخذون منها سلاحا ضدنا ويسيئون الينا من خلال تشفيهم وشماتتهم بحالتنا الاجتماعية التي تعرضها اغانينا.. وعن المقام العراقي قال عزيز علي: المقام يعني السلم الموسيقي للقطعة الغنائية او الموسيقية وحاليا- عندنا – يعني القطعة الغنائية التي تنساب انغامها التواءات صوتية معينة وباسلوب معين ثابت.. والسلم الموسيقي المتعارف عليه في العالم يتألف من سبع درجات او سبعة اصوات رئيسية يضاف اليها جواب الصوت الاول ويرمزون اليه بحروف او مصطلحات حرفية معلومة.. اما في الشرق العربي فهذه الحروف معروفة باسماء اعجمية، وكل وا
عـزيـز عـلي .. آراء جريئة في الفن العراقي
نشر في: 28 أكتوبر, 2009: 05:12 م