TOP

جريدة المدى > عام > بغداد عاصمة للـثقافة

بغداد عاصمة للـثقافة

نشر في: 30 مارس, 2013: 09:01 م

لأننا في الوسط الثقافي ولأننا نعمل فيه، صارت المواجهة لأحداث الثقافة والمؤسسات يومية لازمة. فلا يفارق الواحد منا همُّ المسؤولية عما يحدث وعما يقرأ ويرى. صحيح قد لا تكون صاحب قرار ولا مسؤولاً إدارياً أو رسمياً، ولكنك مسؤول مسؤولية أخلاقية ما دمتَ ترى

لأننا في الوسط الثقافي ولأننا نعمل فيه، صارت المواجهة لأحداث الثقافة والمؤسسات يومية لازمة. فلا يفارق الواحد منا همُّ المسؤولية عما يحدث وعما يقرأ ويرى. صحيح قد لا تكون صاحب قرار ولا مسؤولاً إدارياً أو رسمياً، ولكنك مسؤول مسؤولية أخلاقية ما دمتَ ترى ما يجري وتعرف أسبابه أو تعلم بما أرجئ إنجازه  أو أختُصرَ أو أُلغي أو، وهنا الخسارة الكبرى، ما لم يفكَّر به.
الممكن في حالٍ كهذا أن تشير الى الخطأ وتأسف على عدم تلافيه. على ان تسبق الإشارة احترام الناس في عملهم والابتعاد عن تجهيلهم كما صيانة النفس عن التعالم او التعالي. وحين يكون المراد من ذلك هو الانجاز الأفضل وتقدم العمل او تطويره فذلك ما يجب ان يسرّ الجميع، وزارةً او مؤسسة. ويكون طبيعياً ارتفاع لهجة الإدانة اذا كان الخطأ مقصوداً أو وراءه انحياز أو نفع خاص. لان ذلك يعني ان هناك خللاً إداريا أو قصوراً في الرؤية، اذا ما ترفعنا عن الأسباب المُضْمَرة الأخرى...
نعم يصير واجبا الإعلان والكشف اذا كان وراء الخطأ أو "الإغفال" قصدية انتفاعية تعمل على صنع الخطأ وتوسّع في مدى الأخطاء، فينقص الانجاز فتتسع إثر ذلك إرباكات أو عيوب الوضع العام في البلاد. الخطأ في العمل الثقافي يسهم في زيادة حجم الأخطاء والعيوب في الوضع العام للبلاد وهذا ما لا أحد يتمناه.
مرةً كتبت عموداً صحفياً بعنوان "ولكنها وزارتنا!"  وأنا أتحدث عن وزارة الثقافة والأصدقاء العاملين فيها. ودعوت لان تكون الإشارة الى الأخطاء بأدب ولياقة، فنحن نخاطب ناساً مسؤولين محكومين بشروط عمل وإمكانات. ولامني حينها بعض الأصدقاء على هذا التساهل بعد ان تضررت مؤسساتنا الثقافية وما نشهده مما لا يريح مثقفاً حريصاً..لهم الحق واحترمت اعتراضهم ولومهم لان وراءهم حرص وشدة استياء، وهذا يوحدنا في الاتجاه. فنحن جميعاً نريد الخير لثقافتنا ولبلدنا وهذا أبسط ما تفترضه المواطنة الصالحة
لكني اليوم وجدتني في موضع ذلك اللائم المعاتب، لان هناك سلوكاً في العمل وطريقة في النظر الى الناس، وفهماً للثقافة...، ما يجعلنا نقول: أيها الأصدقاء في الوزارة ما هكذا تُدار الأمور. لا عمل صالحاً ضمن آفاق ضيّقة ولا عمل صحيحاً يسيّرهُ "مزاج" او "ولاء" ونظر قاصر للناس اذا اختلفنا معهم سياسياً او عقَدياً او شخصياً! أيضاً إذا قدمنا عملاً يمكن إرجاؤه على عمل لابد منه.
الثقافة هي الخاسرة إذا اعتُمِدَ في العمل المؤسساتي الثقافي على تنحية هذا وتفضيل ذلك لأسباب غير ثقافية. وإذا اعتمدت استشارتنا على مرتزقة الثقافة ومدمني زيارة المكاتب. الثقافة الوطنية لها مضمونها المتأصل ولها رموزها ولها اتجاهاتها الفكرية، كما لها منتجوها الثقافيون أصحاب الانجازات الفكرية والأدبية والفنية التي تشير لها المكتبات والمعارض الفنية وذاكرة الناس. كفى انحيازات فقد وصلت العيوب حداً مُخجلاً! كما ان في عدم توسيع الاستشارة يحصل توسع في احتمال وقوع الخطأ أو نسيان ما هو أهم.
اعتقد بأن اثنتي عشرة سنة من الكراهة وروح الانتقام والثأرية.. كافية لان يصفو بعدها الماء لتستريح البلاد! وإذا لم يبدأ هذا في الثقافة، لن يبدأ في أي وسط آخر وسيستمر البلاء..هذا هو منطق الأشياء.
لا علاقة لي بالوزارة، لا رسمية ولا شخصية. فأنا لم أدخل مبنى الوزارة منذ التغيير السياسي حتى اليوم. ليس لي غرض ولا حاجة أو مطمح، لكن الخطأ خطأ ويكون الخطأ او الأخطاء مدعاةَ أسف. وهذا يصل حدَّ السخط، حين يرافق ذلك تبذير المال العام او صرفه في مواضع ثانوية لا في محطات ستراتيجية تخدم المستقبل.
بعد هذا التقديم، لأدخلنَّ في الموضوع وبكشف مباشر أكثر:
وأنا أتابع ما يجري والتقي بالأساتذة من كتاب وفنانين وصحفيين ومعنيين بالتاريخ والمجتمع والقانون.. شعرت بالفجوة تتسع مع ما اسمعه من إجراءات وكيف تتم وبأية معايير وآفاق. فكرت بعدها:
هل أكتب بعنوان بغداد عاصمة ...، أم عاصمة الخرافة؟ عفواً، لأردعَ نفسي ولأظل مهذباً فاحترم نفسي واحترم من يعمل، فاحترام من يعمل واجب وهو واجب أكثر على من لا يعمل، فلن أكون مغالياً وليبقَ الشعار كما هو: عاصمة للثقافة العربية!
لكن، ما هي مفردات البرامج؟ وما هي النشاطات وكم هو حجم الإعلام الذي لا يزال يعتمد اللفظية واللافته، وكم هو حجم الانجاز الثقافي فيما يُعْرَض وما يُعْلَن وما يجري فعلاً؟ وهل ما جرى يؤكد ويوسع أفق الثقافة في البلاد؟
كلام كثير، إعلانات كثيرة، عنوانات لنشاطات مُملّة لا جديد فيها، رعاية للأصدقاء او الموالين. بذخٌ مفرط لا ضرورة لهُ في الدعوات، وواضح أثر علاقات العاملين في الخارج في اختيار أسماء المدعوين ... والمدعوات! وأيضا أبعاد وغضُّ نظرٍ أو جهل بأساتذة كبار، بأسماء إبداعية راسخة، برجال ثقافة وفنانين هم جديرون بالحضور أحببنا أو كرهنا!
وهل بغداد عاصمة للثقافة العربية هي بتضييف أشخاص يقرأون شعراً، وكأن لا توجد مرابد ولا توجد اتحادات أدباء ولا مناسبات أخرى ملَّ الناس فيها الشعر؟ وهل هي دعوة عدد يناقشون مسألة أدبية؟ ليس أكثر من قاعة فيها عدد من المستمعين وبضعة يكشفون عبقرياتهم التحليلية. أو نشاط للفرقة القومية؟ لتكون هذه لكن الا قضية ثقافية عربية مهمة؟ لا دعوة خبراء لمناقشة ووضع حلول للخراب الثقافي في العراق، في المغرب، والان في مصر وتونس فلا ندري الى أين تصل الثقافة العربية وأين موقع الثقافة الوطنية في خضم التيارات الثقافية في العالم. وانهيار المؤسسة الثقافية انهياراً يكاد يكون شاملاً لولا البنايات واللافتات ولا وقفة لتطوير وتوسيع المجامع العلمية ومؤسسات الترجمة أو الثقافة في زمن الاتصالات الحديثة وعلى النطاق العربي او الشرق أوسطي كله؟ هل نظل نقدم قراءات شعرية وننقد قصة قصيرة وتمثيليات وحفلات؟ هل يليق هذا المستوى ببغداد عاصمة للثقافة العربية؟ سخاء بالضيافات: فنادق وبطاقات سفر! ولماذا لا نختصر العدد ؟ (أليس واضحاً كم من الأسماء التي لا قيمة ثقافية حقيقية لها بالنسبة للأسماء التي يمكن ان تفيد؟ وهل هذه الاستعراضات انجازات ثقافية ترتفع الى مستوى الشعار او العنوان؟
لست ضد القراءات والنقد ومعارض الرسم والدعوات والحفلات ... لكنه استعراض من ذلك النوع الذي كنتم تدينونه! لم يبق الا ان يُكلّفوا "قصة خون" لتراث بغداد وبعدها يدعون جالغي بغدادي وكل تلك النشاطات لقاء مبالغ لا تعني شيئاً، المهم انها أرقام ومجموع الأرقام يشكل مفخرة: صُرِف على الثقافة هذا الرقم الضخم. ماذا استفادت الثقافة منه؟ اترك الجواب!
 أرجو أن يكون واضحاً اني لا أستنكر ولا اشكك بجدية تلك الأعمال البسيطة، وإن كانت لا جديد فيها، لكني لا أراها تتناسب وحجم: بغداد عاصمة للثقافة العربية. هذه نشاطات يمكن ان يقوم بها اتحاد الأدباء او جمعية التشكيليين او المسرح او الشؤون الفنية هي نشاطات محدودة الأفق واعتيادية نشهد مثلها كل أسبوع، بل كل شهر من دون صخب إعلامي. ولا بذخ وهدر مال. هي تلك الأسماء المكررة، و"المُفَضَّلَون" فيها معروفون والصداقات والولاءات وقهقهات المجاملة الفارغة وحركات المرتزقة الدبقين ممن لم تنج منهم الوزارة في تاريخها كله ولم ينجُ من أمثال هؤلاء المثقفين، مثقفي الدعوات والموائد بلد عربي!
عموماً يا أصدقائي هي نشاطات بسيطة واعتيادية وليست لها اية قيمة حقيقية وهي أقل كثيراً مما يتطلبه عنوان كبير مثل "بغداد عاصمة للثقافة العربية" والعربية لا العراقية فقط! هذه السعة تحتاج الى سعة موضوعات وخطورة قضايا، لا الى استعراضات وإنشائية في الكشف تقرب للأسف من التهريج الإعلامي المطلوب:
فعل ثقافي يرسم انعطافاً أو يترك تأسيساً ومنجزات تؤرخ للحدث الذي أردناه كبيراً.
كنت انتظر في "بغداد عاصمة للثقافة العربية"
افتتاح مجمّع طباعي.
كنت انتظر في "بغداد عاصمة للثقافة العربية"
 افتتاح مسرح جديد.
كنت أنتظر
إقرار مشروع لبناء مقرات متكاملة لفروع اتحاد الأدباء والكتاب والتشكيليين والمسرحيين في بغداد والمحافظات.
كنت أنتظر
مؤتمرات مهمة، سمينارات، في قضايا اللغة، الترجمة، نشر الثقافة العلمية، التبادل الثقافي العربي
كنت انتظر افتتاح – أو تأسيس – مكتبة أجنبية حديثة مجهزة يطلع فيها الباحثون على الانجازات الثقافية في العالم. وأخيراً، وهذا أمر بسيط غير مكلف ولكنه أفضل نوعياً، دعوة أساتذة اللغات والتاريخ والعلوم لانجاز مشروع ثقافي ضخم تبنى قضايا الثقافة المعاصرة مؤلفاتهم ويكلف هؤلاء العلماء المعنيون بموضوعات يحتاج لها مستقبل البلاد، وما تحتاج له بغداد المحتفلة في إعادة طبع ما كتب في تاريخها وحاضرها والدعوة لكتابات جديدة في موضوعات يتم عليها اتفاق الأفكار مما يسهم في اغناء ثقافة الشعب الفكرية والعلمية، لا ان يكتفى بطبع عدد من الكتب، ولا نقول كيف...، وكأنه انجاز العصر.
هذا الكلام، الذي صحبه حرصٌ شديد، والذي وصل بي الى درجة الغضب والاستياء، لا يمنعنا من ان نحيي من نهضوا بهذه المهمة الثقافية الجليلة فقد أدّوا مهمة إعلامية ضخمة، ولكني لا أكون صادقاً اذا أعفيتهم من التقصير اولاً، واذا لم أقل للجميع: احترموا مثقفي بلادكم من جميع التوجهات والافكار لان ما يعنينا من الناس عملهم وتخصصهم وأهميتهم الثقافية..الوطن يطلب منا ذلك، الثقافة الوطنية تطلب منا جميعاً ذلك والاحترام للجميع واجب وإلا خسرنا الوطن والثقافة!.
ختاماً اعيد القول: ان المبلغ الضخم الذي صرف كان يمكن ان نفتتح به مشروعاً ثقافياً ستراتيجياً كبيراً والدعوات كان يمكن ان تكون لعدد معقول للاحتفاء بذلك المشروع وليُشار لهُ ..
مبنى أوبرا مثلا، مكتبة عالمية كبرى
وليس ما تم من استعراضات تمسحها، أو مسحتها، الرياح..
أرجو تقبل هذه الملاحظات فانا رجل ما كنت خصماً لأحد يوماً. لكن الخطأ خطأ والصواب صواب وهذه أموال شعب وكثير من المشاريع المهمة مرجأة ..لقد  تعمدت تأجيل نشر هذه الملاحظات حتى يغادر الضيوف لكي لا نخل بآداب الضيافة وليظل الأسف بعد ذلك في قلوبنا!
بقيَّ أن أتمنى ان يكون الاهتمام مستقبَلاً بما هو مفيد دائم لا بما هو عابر. فهي مرحلة بناء البلد وأنتم ونحن أبناؤه وحُماته...

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 2

  1. ابراهيم محمد

    تساؤلات مشروعة، ومتطلبات مهمة واجبة لكن السياسة والطائفية تتجاهلها متعمدة، لكن ما قصة عباقرتنا الذين أثبتوا جدارة في المنفى؟ لماذا لم يدعون؟

  2. خضير اللامي

    ابا رند العزيز ، اعرف حرصك تماما ، ودقة تعبيرك ، وتشخيصك للاخطاء الظاهرة والمخفية منها ، واكثر من هذا كله اعرف عذاباتك ازاء مثل هذه المواضيع . ان ما قلته بمجمله كان تحليلا موضوعيا لما وقعت به وزارة الثقافة وبعض العاملين فيها .. ورغم انني بعيد عن المشهد تم

يحدث الآن

التعديل الوزاري طي النسيان.. الكتل تقيد اياد السوداني والمحاصصة تمنع التغيير

حراك نيابي لإيقاف استقطاع 1% من رواتب الموظفين والمتقاعدين

إحباط محاولة لتفجير مقام السيدة زينب في سوريا

امريكا تستعد لاخلاء نحو 153 ألف شخص في لوس أنجلوس جراء الحرائق

التعادل ينهي "ديربي" القوة الجوية والطلبة

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

شخصيات أغنت عصرنا .. المعمار الدنماركي أوتسن

مدخل لدراسة الوعي

د. صبيح كلش: لوحاتي تجسّد آلام الإنسان العراقي وتستحضر قضاياه

موسيقى الاحد: الدرّ النقيّ في الفنّ الموسيقي

في مديح الكُتب المملة

مقالات ذات صلة

مدخل لدراسة الوعي
عام

مدخل لدراسة الوعي

لطفية الدليمي تحتل موضوعة أصل الأشياء مكانة مركزية في التفكير البشري منذ أن عرف البشر قيمة التفلسف والتفكّر في الكينونة الوجودية. الموضوعات التأصيلية الأكثر إشغالاً للتفكير البشري منذ العصر الإغريقي ثلاثة: أصل الكون، أصل...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram