منذ اختياري العيش بالمنفى لم يفرحني من أخبار الوطن غير حدثين: سقوط صدام ويوم خرج العراقيون ينتخبون بكامل حريتهم لأول مرة بحياتهم في أول انتخابات برلمانية. لم أنم تلك الليلة حتى الصباح إذ كنت خائفاً على الناس من الإرهابيين وعلى الانتخابات من الفشل. لكن خوفي تحول الى فرح عارم وأنا أرى العراقيين يزحفون صوب صناديق الاقتراع زرافات ووحدانا ليذهلوا الدنيا بشجاعتهم.
حين أغلقت الصناديق، ولم تحدث في يومها جرائم إرهابية، احترت كيف أعبر عن فرحتي. بكيت أولا، وهلهلت ثانياً، ثم ركضت صوب جاري الهندي أحكي له عن عظمة شعبي. لم أرو غليل فرحي فلذت بالشعر. كتبت أغنية مرتجلة لحّنتها على طريقتي الخاصة وأطفالي كانوا يغنون معي:
الحمد لله سلامات انتصرنا يا انتخابات
نعمة يا وطن نعمه صعدنا وياك للنجمه
نطش عالدنيا بوسات
اتصلت بالصديق المطرب، وجار الصبا، حسن بريسم. قرأتها عليه بالهاتف فكتبها واستأذنني كي يذهب للأستوديو لتسجيلها. وفعلا أكمل اللحن والتسجيل في ليلة واحدة. ثم تم تصوير الأغنية وبثها قبل ظهور النتائج. إنها أول وآخر قصيدة في حياتي كتبتها عن الفرح.
لم أزر العراق خلال ربع قرن إلاّ مرة واحدة. كانت بعد سقوط صدام بأشهر. لكني في يوم الانتخابات أحسست انه هو الذي جاء الى بيتي. كان كما الحلم الجميل فنهضت لأقبله وأغنيه:
يا حبيبي .. اليوم تدريني شكبرني؟
آنه من زغري چنت اتنه الفرح، بلجي يدك الباب
أنا بغيرك الي وي الدنيا ألف حساب
ولي وي الفرحه كومه اعتاب
لچنّك من اجيت ..
الفرح ما خله بعد بالروح .. لا حسبه .. ولا ظل اعتاب
وجاءت الانتخابات الثانية في نهاية العام الذي أجريت فيه الأولى، فازدادت فرحتي أكثر وأكثر. أحسست في يومها أن العراقيين ثأروا لكل تضحياتهم وعوضوا كل سني الصبر المرة. حسبتها بداية النهاية الحقيقية لزمن الدمار والخراب والقتل والفساد.
لكن .....
يا فرحة الما دامت. سنوات مرت على من انتخبهم الشعب ولم نشم منهم غير روائح الفساد وانشغالهم بحماية أنفسهم بين أسوار الخضراء تاركين الناس بلا أمن ولا أمان ولا خدمات. وشيئا فشيئا صاروا يهدمون ما بنيناه من آمال وأحلام، طابوقة طابوقة. بغداد التي كنا نتوقعها ستناطح هونك كونج ودبي، صارت أقرب الى حال مقديشو.
تحولت الفرحة الى غصة في صدري، حتى عدت لا أحب سماع الأغنية التي كتبتها. لقد تغير شكلها ولونها وطعمها بعد أن قتل "الدعاة" فرحتي. إنهم أعداء للفرح بامتياز، ومن يعترض فليقدم ما عنده. أما الذي عندي فإنهم سرقوا أحلامي كلها حتى أتوا على فرحتي بالانتخابات فخنقوها.
الانتخابات .. ما عادت تفرحني
[post-views]
نشر في: 30 مارس, 2013: 09:01 م
جميع التعليقات 1
دلشاد
مازال الامل فينا ومازالت الفرحة تجارينا وسيأتي اليوم الذي نغني به كل اغاني الفرح واهازيج النصر الحقيقي .