يوم كان الإعلامي عماد الخفاجي يقدم برنامج برج بابل من فضائية الحرة العراق ، طلب من احد زملائه بأن يكون ضيف إحدى حلقات برنامجه المخصصة لاستعراض تاريخ الأحزاب السياسية في العراق احد الشيوعيين القدامى ، وفضل أن يكون قد زار البيت الحرام ونال صفة الحاج ، فوقع الاختيار على احدهم ولكن لأسباب فنية لم تتحقق رغبة الخفاجي في أن يكون الشيوعي في برج بابل .
الحاج الشيوعي قبل يوم من وفاته أوصى ابنه الأصغر بأن تمر جنازته أمام مقر اللجنة المركزية للحزب في ساحة الأندلس ، والابن مازال حتى هذه اللحظة يشعر بالندم لرفضه تنفيذ وصية أبيه لأنه خضع لإرادة الأهل والأقارب بالتوجه إلى المقبرة بأسرع وقت ، ليجاور شريكة حياته "رقية " ركية حسين كركوش التي احتضنت اسم ابنها سامي في شاهدة قبرها بعدما فقدت الأمل في العثور على جثته ، ولم تحصل إلا على شهادة وفاته من مخابرات النظام السابق بعد مرور أكثر من عام على إعدامه .
تخرج الشيوعي الراحل في دار المعلمين ، مطلع عقد الأربعينات ، عمل معلما متنقلا بين مدن وقرى العراق الجنوبية ، انضم للحزب لإيمانه بأن أفكاره ستلغي الفوارق الطبقية ، ولا سيما انه ينحدر من أسرة فلاحية لطالما تعرضت لجور الإقطاعيين ، فأخذ على عاتقه الدفاع عن الفلاحين ، وعلمهم القراءة والكتابة ، وفي العام 1961 أدلى فلاح شهادة ضد معلمه ، وحكم عليه بالسجن بتهمة التحريض على قتل شخص كان من ملاكي الأراضي في العهد المباد أي في الزمن الملكي .
قبل دخوله سجن الكوت نقل المعلم الشيوعي من السماوة إلى بغداد ، وفي العاصمة وجد في العمل المهني بنقابة المعلمين فرصة لتأسيس جمعية بناء المساكن لأعضاء النقابة وبجهود الراحل الدكتور صفاء الحافظ ، والراحل الآخر المربي عيسى غيدان تم تأسيس الجمعية، فوفرت الأراضي في جميع المحافظات ، وشيدت عليها الدور التي عرفت في ما بعد باسم أحياء المعلمين .
اضطراب الأوضاع السياسية انعكس بشكل سلبي على أوضاع أسرة الشيوعي ، عندما كان مطاردا ومختفيا من ملاحقة السلطة ، ويوم أعلن تشكيل الجبهة الوطنية عمل في جريدة طريق الشعب محررا لصفحة تعليم ومعلم وكان ثلاثة من أبنائه يعملون في تلك الجريدة فضلا عن زوجة ابنه الذي أعدم السيدة منى سعيد أم يمام ، ومثل حزبه في نقابة المعلمين في لجنة الدفاع عن حقوق الأعضاء .
للراحل ستة أبناء وأربع بنات ، واحد من أبنائه كان يشاكسه بدعم من أمه ، لأنه لم يكن منتميا للحزب على خلاف أشقائه الآخرين ، وبإيمان الأب بالجبهة الوطنية كان يخاطب ابنه المشاكس بالقول " الحزب الحليف يرفض يضمك في صفوفه " وتوبيخ الأب لابنه ينطلق من حرصه على توطيد وتعميق العلاقات الجبهوية لأنها ستمهد الطريق نحو عراق ديمقراطي تقدمي ، ولكن سرعان ما تبدد حلم الحاج الشيوعي أبي ومعلمي وحامل أعباء ذنوبي حسن بن زاير علي العتابي الساكن حاليا مع أمثاله في برج بابل .
شيوعي في برج بابل
[post-views]
نشر في: 30 مارس, 2013: 09:01 م
جميع التعليقات 2
سنان علي
من خلال متابعتي لعمودك لم يكن لدي رويا تدل على خلفية شيوعية فذة وقصتك حول السيد حسن بن زاير كانت اكثر من رائعة , والملاحظ ان اغلب مقالاتك عن الاشقياء !!
عباس الشطري
كنت انظر لصورة الشهيد سامي واستذكر اتصال العتابي بي في يوم من الايام يطلب مساعدته في حل مشكلة الكهرباء في بيته بعد ان اتصل الدكتور جمال بي في تلك الليلة واقول لماذا نحن ندفع الثمن على محراب الحرية واجيب نفسي هاذي هي اور السومرية صنعت لنا الاسطورة وتركتنا