لم يُسعفني "العم غوغل" في الوصول الى التاريخ المحدد لظهور المسحاة الى الوجود، وبخاصة في بلاد الرافدين التي لابد أنها من أوائل البلدان التي صُنعت فيها واستعملت المسحاة، ارتباطاً بأنها من أولى مواطن الحضارات في العالم.
كناتج عرضي ظهر لي في الشبكة العنكبوتية ان صناعة المعادن، ومنها صناعة الخنجر، عرفها السومريون منذ ثلاثة آلاف وخمسمئة سنة. ولا بد ان هذا هو تاريخ ظهور المسحاة أيضاً، فالمنطق يقود الى ان من يفكر بصناعة الخنجر لا بد أن يفكر بصناعة المسحاة، ومن يمكنه طرق الحديد لصنع الخنجر في وسعه أن يصنع المسحاة كذلك.
دوائر المعارف وكتب التاريخ تصنّف الحضارة السومرية على انها من الحضارات التي سادت ثم بادت، لكنني أمتلك الدليل على ان حضارة سومر لم تبد أبداً.. انها متواصلة حتى اليوم، والشاهد على هذا قائم في قلب بغداد.
أمس كنت أمرّ بمنطقة العلوية فشاهدت حفرة بمساحة تزيد عن الفي متر مربع وبعمق يزيد عن ثلاثة أمتار .. الحفرة ليست من مخلفات نيزك ولا ناجمة عن زلزال. من الواضح انها مهيأة لإنشاء مبنى كبير... دائرة حكومية أو فندق أو غيرهما.
بناية بهذه الضخامة، في أي مكان آخر في العالم، لا بد أن يستعان في إقامتها بأحدث التكنولوجيا، إن لم تكن تكنولوجيا القرن الحالي(الحادي والعشرين) المتطورة للغاية، ففي الأقل تكنولوجيا القرن المنصرم أو حتى القرن التاسع عشر، لكنني رأيت أمس أن العمال في هذا الموقع البغدادي يشتغلون بتكنولوجيا العهد السومري الذي يرجع في عمق التاريخ الى ثلاثة آلاف وخمسمئة سنة. كانت المسحاة حاضرة بالجملة بين أيدي العمال، يحفرون التراب ويرفعونه بالضبط كما كان يفعل عمال السخرة السومريون عندما كانوا يهيئون الأرض لزقورة أو قصر ملكي.
خلال السنوات العشر الماضية لم يشهد العراقيون التغيّر النوعي الكبير في حياتهم الذي توقعوه.. هذا مفهوم، فالعراقيون "راحوا بين الرجلين" في هذه الفترة.. أعني أرجل السياسيين القائمين على السلطة، لكن منذ ثلاثة آلاف وخمسمئة سنة حتى اليوم تغيّر كل شيء في حياة البشر على نحو خرافي، وبالتأكيد لو قيض للسومريين أن يعودوا الى الحياة الآن لماتوا في الحال من هول ما يرون مما تطورت عليه حياة الإنسان.
لماذا لم يزل العامل العراقي في القرن الحادي والعشرين يعمل بالطريقة نفسها التي كان يعمل بها عامل السخرة السومري قبل 35 قرناً، ممسكاً بالمسحاة بأيد عارية؟
الجواب تجدونه في الفساد المالي والإداري. كيف؟
المبنى الكبير الذي يجري تمهيد الأرض له في علوية بغداد، سواء كان حكومياً أو أهلياً، لا بد ان مناقصته قد أرسيت على مقاول وهمي (لديه شركة مسجلة بالاسم وعلاقات بكبار المسؤولين في الدائرة الحكومية أو جهة القطاع الخاص)، وهذا بدوره أوكل أمر البناء الى مقاول آخر بعدما اقتطع "حصته" البالغة كذا مليون دولار، وهذا عهد بالأمر الى مقاولين ثانويين صغار لا يملكون المكائن والآليات الثقيلة فيستعينون بالعمال المياومين الذين حفظوا لنا تكنولوجيا سومر وأنقذوا الحضارة السومرية من الإبادة! وهذا كله بفضل مقاولينا الذين شعارهم: اضرب واهرب!.
جميع التعليقات 2
واثق العاني
كنا كالزروع شكت محولا..... فلما استمطرت مطرت جرادا
ابو ميلاد
تحية طيبة لا تنسى يا استاذ عدنان طريقة كنس الشوارع بسعف النخيل ونحن في القرن 21