الأول من نيسان ، "اليوم العالمي للكذب" هو تقليد اعتمدته شعوب أوروبا قبل قرون لإطلاق كذبة بريئة من النوع الأبيض ، وإيقاع الآخرين بمقالب، الغاية منها إثارة الضحك على من تجاهل أن يضع في حسابه شرعية الكذب في يوم واحد فقط من مجموع أيام السنة الواحدة غير الكبيسة .
في الأول من نيسان ربما استعد البعض لاحتمال مواجهة أنواع من الأكاذيب ، وآخر يكون ضحية مقلب أُعد له بسيناريو محكم تستخدم، فيه وسائل الاتصال الحديثة ، فيكون ضحية "قايش" يكتشف بعد حين أنه تعرض للكذب الأبيض ، وبعد انتهاء فصل من الضحك، يتلقى التهاني وكل واحد نيسان وأنت بخير ، والشعوب المتحضرة، تتعاطى مع هذا اليوم بهذه الحدود ، والكذب لديها في الأيام الباقية من السنة محرم وقد يتعرض الكذاب لملاحقة قضائية بتهمة التضليل ، وهذا ما حصل مع طالب عراقي كان يدرس الفن في إيطاليا ، عندما حمل كيسا فارغا في ساحة عامة فتجمعت حوله الطيور ، لتأكل محتويات الكيس ، فأثار المنظر غضب أحد رجال الشرطة فتوجه لصاحبنا مسرعا ومنعه من ممارسة "لعبته القذرة " بالكذب على الطيور ، وهدده بالاعتقال بتهمة الكذب على الطيور، والحادث رواه الطالب نفسه الذي أصبح في ما بعد أستاذا جامعيا ، ونقله لطلابه ليتعلموا الدرس من ثقافة شعوب حرّمت الكذب ، وفرضت على من يرتكبه عقوبات قضائية .
العراقي ليس معنياً باليوم العالمي للكذب ، لأنه على مدار أيام السنة وربما التاريخ الحديث كان ضحية أكاذيب كارثية ،محلية وخارجية ، فأحزابه رسمت أمامه صورة مشرقة لمستقبله ، وكذبت ، والمسؤولون والقادة السياسيون بعد غياب آخر رجل دولة لطالما كتبوا وألقوا الخطب وأعلنوا برامجهم الانتخابية لجعل العراقي أسعد إنسان في المنطقة كذبوا أيضا ، والولايات المتحدة تتحمل مسؤولية الكذبة الأبشع عندما ادعت أنها بعد غزو العراق والإطاحة بالديكتاتورية ستنقل شعبه إلى رياض الديمقراطية ، وكذبت هي الأخرى ، ثم رحلت ، تاركة وراءها أزمات مزمنة ، والكذبة الأكبر لواشنطن عندما أعلنت أنها على إيمان راسخ بأن الساسة العراقيين قادرون على احتواء أزماتهم وستنتصر إرادتهم عندما يجتمعون حول طاولة الحوار، ويقررون ما يخدم مصالح شعبهم .
الزمن والحب والوفاء والإخلاص أكاذيب بنظر العراقي، والدليل على ذلك أغنية " جذاب دولبني الوكت" . أما وعود المسؤولين والمرشحين للانتخابات ، وفي ظل تراجع الخدمات ، والبحث عن الأمبيرات ، واتساع الخلافات ، وتفاقم الأزمات ، والتلويح بالانسحابات والتحذير من الانقلابات ، ستبقى تلك الوعود- وعلى هذا السجع - محاولات رخيصة، لكسب المزيد من الأصوات في الانتخابات .
عندما يشعر ضحايا الكذب السياسي بأن يوما واحدا من السنة سيخصص للاحتفاء" بيوم الصدق العراقي" سينتابهم الفرح لأن في ذلك اليوم التاريخي ستحقق منجزات كبيرة ومكاسب وطنية ، للعراقيين تجعلهم يتناسون أكاذيب سنة كاملة ، وعيش وشوف تاليها .