TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > الشيوعي، وما أدراك؟

الشيوعي، وما أدراك؟

نشر في: 31 مارس, 2013: 09:01 م

في مثل هذا اليوم من هلة الربيع، كان الشهيد ابو سعيد "عبد الجبار وهبي" يكتب في زاويته الصغيرة في صحيفة اتحاد الشعب شيئا عن  مساحات الأمل: "علمني الحزب أن أرى حريتي وأخلط فرحي بشيء من أحلام الناس" يومها كانت الدنيا أكثر هناء، لم يكن الهم قائما، والبؤس مقيما، كان هناك وقت ومتسع للأمل، في ذلك اليوم من عام 1960 نظر أبو سعيد من نافذة غرفته المطلة على إحدى زوايا شارع الكفاح.. متأملاً احوال حزبه المثير للدهشة وهو يراه يعيد صياغة نفسه كل يوم، ويقرأ ملامح الشيوعيين الذين قد يختلفون على اشياء كثيرة ، لكنهم يتمسكون جميعا بخيارهم الوطني وشغفهم الذي زرعه في وجدانهم، المعلم الأول "فهد" وهو شغف حب الوطن والدفاع عن حريات الناس وامالهم  ومستقبلهم.. وقدم لهم نموذج المناضل الذي يتعلم من الناس القيم الانسانية والجرأة على الدفاع عنها، والشجاعة والاقدام في خوض غمار الحياة، والبذل والعطاء والتضحية التي تظل هاجساً مرافقاً لهم طوال حياتهم.
منذ انطلاقتهم الاولى قبل 79 عاما لم يفصل ابناء الحزب بين ذواتهم ومآثر وطنهم وقضاياه. وظلوا يعيدون صياغة حياتهم ليصبحوا اكثر استعداداً لتكريسها في تحديد مسارات الحرية لبلادهم والارتقاء باستعداد شعبهم للتحديات التي تتطلبها.، والكوكبة من المناضلين الذين أطلقهم الحزب الشيوعي العتيد الى سوح الكفاح  ومعتركاتها في بغداد والانبار والسليمانية والبصرة وذي قار وميسان وأربيل والحلة والكوت ومعظم مسالك  الحياة في سائر انحاء العراق، شع من بينهم "ابو سعيد" الذي كان ينشر الامل كل صباح من خلال عموده الصحفي اللّماح وهو يحمل نفحات حب الوطن ودروس النضال والتضحية وتكريس مفاهيم النزاهة والترفع عن كل ما يضعف القيم النضالية.
اليوم تبدو كتابات الشيوعيين في استعادتها كأنها نشيد بلازمة واحدة تتكرر، السجن، النضال، حب الناس والدفاع عن حقهم في حياة كريمة ، من عبد الجبار وهبي الذي ضحى بحياته ، تحت التعذيب الوحشي، مروراً بشمران الياسري " ابو كاطع " الذي قضى منفيا ، مطاردا في دروب الغربة، الى مئات من خيرة المثقفين والمبدعين الذين تعلمنا كتاباتهم ونتاجاتهم الابداعية، ان نتحسس نبض الوطن، ونعكس هموم الناس وامالهم وتطلعاتهم وننأى عن الاصوات التي تدفع نحو تشويه الحقائق وتزوير وقائع التاريخ.
يعلمنا فهد ورفاقه ان لا نعيش اسرى الماضي، وان نهرب من جنازة موت الحاضر ، الى الماضي المضئ لان  رجاله يقدمون شهادة،  على أن الحياة تستحق النضال من اجل جعله افضل وانقى، ويعلمنا ذلك الماضي ان هذا الحاضر البائس ليس قدرا محتوما لا خلاص منه.
اليوم بعد ٧٩ عاماً على تاسيس الحزب،  نسعى لتمَثُل الإرث النضالي والسياسي للحزب الشيوعي الذي استمده رجاله من حكايات العراقيين وآلامهم وأحلامهم ومعاناتهم ونجعلها معاشة بين ظهرانينا.
لقد انحدر الرعيل الاول من قادة الحزب وكوادره من أسر كادحة ، ضربت جذورها في تربة العراق المعطاءة، يتقاسمون خبزهم مع أناس أكثر فقراً . من ذلك العالم القاسي، وفي يوم 13/3/1934 كتب مؤسس الحزب يوسف سلمان يوسف "فهد" بيان الحزب  التأسيسي، جسد فيه كل ما يعكس نبض الكادحين وآمالهم وتطلعاتهم الى وطن حرٍ وشعب سعيد. وومنذ البيان الاول بدى انحياز الشيوعي الى خيارات الناس وتشوفاتهم. وفي سبيل ذلك  تعرضوا إلى سلسلة من القتل والموت لا تنتهي، فهم في كل يوم على موعد مع القتلة والجلادين، فيما ظلت قضايا الناس صليبهم الذي يحملونه أينما حلوا، ورؤياهم التي أتاحت لهم سفراً دائماً نحو الحرية .
نتذكر "ابو سعيد " ورفيق دربه "أبو كاطع" ومعه آلاف الشهداء الشجعان، ونقرأ اليوم سيرهم ، ونمعن النظر في تجاربهم  الممتدة عبر  طريق الأحزان في ارض العراق الذي عانى من الظلم لعقود طويلة.
ليس صدفة أن الشيوعيين العراقيين ، أمواتا وأحياء، كانت " خطيئتهم " الوحيدة حبهم لوطنهم ودفاعهم عن احلام  ومستقبل شعبهم ، ظلوا يرفعون راية الحرية والمساواة  والعدالة الاجتماعية، وهم يتوسدون الامهم ومحنهم الشخصية في المعتقلات و أقبية اجهزة الامن ودوائر المخابرات وعتمة السجون، ظلوا امناء على رسالتهم الوطنية ، ترفعوا على ذواتهم ، لم يطلبوا لانفسهم وعوائلهم اي امتياز شخصي ، ولم يسعوا إلى مناصب ، واستبدلوا الكراهية بالمحبة، وقبول الاخر لا الغائه ، منادين ببناء وطن يتسع للجميع ، وطن معافى ، حر وسعيد .
اذ يحتفل الحزب بميلاده  ، نستعيد معه امجاد مناضليه ، ونستشرف معه المستقبل ، لعل في الايام القادمات ما يفتح باباً للامل ..!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 4

  1. مناضل

    كانك كنت معهم فتلك كانت اخلاقهم وشيمهم..احسنت

  2. خليلو...

    قت في تعليق سابق على إحدى مقالاتك :إنك تذكَرني بإثنين من الخالدين أبو سعيد، وأبوكاطع حين نعتوك ب بعثي ومايزالون حنقاً من كتاباتك المنصفة في تقييم الراهن العراقي المأساوي والحانقون عليك وعلى أصحاب الأعمدةاليوم ليسواكمغتالي أبو سعيد ورفيقيه ولكنهم متَكئون

  3. كاطع جواد

    ما اجمل حب الناس وما احلى الدفاع عن حقوقهم دون مقابل ..قد يصل ثمن هذا الحب وهذا الدفاع عن الناس فقدان الحياة بأبشع صورة على ايدي أعداء الانسانية من وحوش بشرية ، هذا ما دفعه الشيوعيون بوقوفهم مع الانسان وهمومه في كل زمان ومكان ، وعمودك يا سيدي هذا اليوم ب

  4. ام احمد

    نكران الذات وحب الوطن و التفاني لاسعاد الاخرين كان دوما شعارهم وتحقيق الرفاهيه للجميع غايتهم.ذهبوا والغالبية تغالط وتنكر تضحياتهم منى ينضج الشعب و يتحرر من جهله وتخلفه

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: أحلام المشهداني

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

قناديل: بغدادُنا في القلب

عنوانان للدولة العميقة: "الإيجابية.. و"السلبية"

العمودالثامن: برلمان كولومبيا يسخر منا

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

 علي حسين ما معنى أن تتفرغ وزارة الداخلية لملاحقة النوادي الاجتماعية بقرارات " قرقوشية " ، وترسل قواتها المدججة لمطاردة من تسول له نفسه الاقتراب من محلات بيع الخمور، في الوقت نفسه لا...
علي حسين

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...
د. فالح الحمراني

السرد وأفق الإدراك التاريخي

إسماعيل نوري الربيعي جاك لوغوف في كتابه "التاريخ والذاكرة" يكرس الكثير من الجهد سعيا نحول تفحص العلاقة المعقدة، القائمة بين الوعي التاريخي والذاكرة الجماعية. وقد مثل هذا المنجز الفكري، مساهمة مهمة في الكتابة التاريخية،...
إسماعيل نوري الربيعي

هل يجب علينا استعمار الفضاء؟

توماس ليبلتييه ترجمة: عدوية الهلالي بالنسبة للبعض، تعتبر الرغبة في استعمار الفضاء مشروعًا مجنونًا ويجب أن يكون مجرد خيال علمي. وبالنسبة للآخرين، فإنه على العكس من ذلك التزام أخلاقي بإنقاذ البشرية من نهاية لا...
توماس ليبلتييه
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram