بعد مشاورات استمرت لأسابيع مع الكتل النيابية والنواب المستقلين، ومعهم قوى المجتمع المدني والنقابات، أعلن عبد الله النسور تشكيل حكومته التي كان مأمولاً أن تكون نيابية، لكنها خلت من أي عضو في مجلس النواب، وحتى من مرشحي الكتل البرلمانية، ولعل أهم ما يميزها هو رشاقتها، إذ تشكلت من ثمانية عشر وزيراً، ما دعا منتقديها لوصفها بأنها رشيقة حتّى فقر الدم، أو حتّى الهزال، وأنها أقرب إلى حكومة تسيير أعمال مؤقتة، ودفع الإعلان عنها إلى السؤال عن وعد الحكومة البرلمانية، وقال آخرون إنها ولدت برسم التعديل، وتعهد بعضهم بالسعي لإسقاطها، وسارع الإسلاميون الى وصفها بالفاشلة، ووصفها آخرون محسوبون في العادة على النظام، بأنها تتويج لفشل مسار عملية المشاورات البرلمانية، وبأن تشكيلها عودةً لنقطة الصفر قبل الانتخابات، وكأن شيئاً لم يتغير.
النسور وعد النواب بتوزير بعضهم بعد شهور في تعديل وزاري، وهي خطوة اشتهر الرجل بمثلها، والهدف منها ضبط حراك المجلس النيابي، حيث سيسعى بعض النواب المستوزرين لمسايرة من وعدهم بتحقيق طموحاتهم، لكن ثقة المواطنين شبه المنعدمة بالنواب، ستدفع لحراك شعبي ضد الحكومة، التي ضمت سيدةً واحدةً، هي زوجة إبن رئيس الوزراء الأسبق أحمد عبيدات، وهو اليوم معارض يقود الجبهة الوطنية للإصلاح، المهم أن رئيس الوزراء يقول، إن حكومته تؤسس لنهج الحكومات البرلمانية، في حين يرى بعضهم أنه ثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن كثرة الحديث عن مرحلة جديدة للحكومات هو للاستهلاك الخارجي فقط، ولشراء الوقت بأقل التكاليف، في ظل قرارات اقتصادية صعبة.
اختار النسور لوزارة الداخلية السيادية الفريق أول حسين هزاع المجالي القادم لموقعه من قيادة جهاز الأمن العام، حيث احتك أكثر من مرة مع قوى أمنية نافذة، على خلفية التعامل مع الحراكات الاحتجاجية، ومع الشارع، في مرحلة اتسمت بحساسيتها،على الصعيدين الداخلي والإقليمي، وهو سيباشر عملياً قيادة الفريق المعني بالشؤون المحلية، اعتماداً على صفاته الشخصية، التي تشي بأنه سيكون وزيراً قوياً غير قابل للتضليل، وسيكون من مهماته، السيطرة من موقعه على الأجهزة الأمنية، وإخضاعها لمعادلة الولاية العامة للحكومة، ولوزير الداخلية على وجه الخصوص، واستطراداً إخضاعها للبعد السياسي في عملها، الذي بات هدفاً، بعد الانتقادات العلنية التي وجهها الملك بنفسه عبر مجلة أتلانتك الأميركية، لدور دائرة المخابرات العامة، الذي تجاوز في بعض الأحيان المهام الأساسية لها.
تتميز الحكومة الجديدة أيضاً، بأنها ضمت وزيراً جاء إليها من مخيم البقعة للاجئين، هو الدكتور وليد سيف، الذي تولى وزارة التخطيط المسئولة عن المشاريع والتمويل الأجنبي، والتخطيط المالي والاقتصادي، وهو متخصص بالتخطيط المالي والاقتصادي وله دراسات مهمة عن اقتصاديات الشرق الأوسط، عمل مستشارا في معهد كارينجي الأميركي الشهير، ويظن بعضهم أن اختياره ينم عن رسالة إيجابية تجاه المكون الفلسطيني في الأردن، وعن رغبة ذكية في التعامل مع التداعيات الاقتصادية للتوتر الإقليمي، في حين يعتقد آخرون أن لذلك رسالةً سياسيةً، تتعلق بما يوصف بالتوطين، وهؤلاء هم بالتأكيد المنتمون لتيار إقليمي شرق أردني، يتعامل بسلبية مع العلاقة بالأردنيين من أصل فلسطيني.
حكومة النسور ليست برلمانية، ولا هي مرضية للعديد من الساسة، لكنها ستصمد، وبين يديها فرصة لإرضاء الشارع، نتمنى أن تحسن استغلالها، فالمرحلة لا تحتمل التجريب، وبالتأكيد لا تتحمل الفشل.
حكومة الأردن البرلمانية
[post-views]
نشر في: 31 مارس, 2013: 09:01 م