أمرّ، من حين إلى آخر، على مكتبة البلدية القريبة من سكني بغرب لندن، لأقرأ عقول العالم، ففي هذه المكتبة يتوفر كل شيء كتب الطبخ والزراعة والأدب – بأنواعه – والسينما والمسرح وسير المشاهير من العلماء والممثلين والكتاب والشعراء والفنانين ومن تركوا أثراً ما في حياة شعوبهم اختراعاً أو موقفاً أو مأثرة، وهنا أيضاَ مجلات وصحف في غاية التنوع، وباختصار تجد عشرات الكتب عن أي موضوع تبحث عنه، أو كل ما يخطر لك على بال، وإذا لم تجد ضالتك فيمكن أن تطلب أي كتاب، فالمكتبة العامة تمثل ثقافة بلد في كل ما تعنيه من شؤون حياتهم وصورهم وأحلامهم وما يحتاجوه ليكونوا على بينة من أمر دنياهم.
ارتكبت هذا الأسبوع خطأ شنيعاً لأنني لا أحمل بطاقة عضويتي في المكتبة.. تكاسلت فلم أحمل محفظتي معي حيث أضع تلك البطاقة عادةً، لكنني لم أيأس فقلت لنفسي لأحاول.
تقدمت من موظفة الاستقبال فهرعت لمساعدتي سيدة طيبة في ستينياتها لأخبرها بمشكلتي فقالت وهي تبتسم: لا عليك.. هل تحمل أي بطاقة تثبت شخصيتك؟ فأجبتها بالنفي لأنني تركت كل شيء في محفظتي بالبيت.
اقترحت السيدة اللطيفة: أعطني اسمك من فضلك. ففعلت. قالت وهي تفتح حسابي على الكومبيوتر: سأسألك سؤالين لا أكثر لأتأكد من شخصيتك. سألت عن عنواني وتاريخ ميلادي فأجبت.. دونت المعلومات في ورقة صفراء ثم رفعت وجهها السمح نحوي وقالت: يمكنك أن تستعير ما تشاء، فهذه المعلومات كافية لإثبات شخصيتك وأنك عضو في سجلاتنا.
شكرتها، لأدخل صالة الكتب التي تتألف من ثلاثة طوابق لأضيع في ثقافات العالم المرصوفة في كتب نظيفة بأغلفة جذابة ومبوبة حسب النوع بينما تغرق الصالة في صمت كامل فلا أحاديث، البتة، لأن الناس داخل الصالة يقرأون.
فوجئت، وأنا العضو الدائم الذي أزور هذه المكتبة أسبوعياً، بركن صغير للكتب العربية، وهو أصغر الأركان إذ لا يزيد عدد كتبنا على العشرين كتاباً، بينما تضج الرفوف المجاورة (الكتب الأجنبية) بكتب الصينيين واليابانيين والهنود – الإيرانيون أقلية أيضاً – فعثرت هناك على رواية (الحرافيش) لنجيب محفوظ ورواية لصديقي البحريني عبدالله خليفة وإحدى الروايات المصرية (تكتب بالإنكليزية) أهداف سويف مترجمة إلى العربية ورواية حنان الشيخ (إنها لندن يا عزيزي) وكتب أخرى لم أتعرف على كتابها من قبل إلى جانب كتب طبية عربية في الصحة التناسلية.
قررت أن أتبرع بالنسخ المكررة من الكتب العربية في مكتبتي الشخصية لهذه المكتبة وتلك التي لم أعد بحاجة إليها، وأتبرع أيضاً بنسخة أو نسختين من كتابي الشعري الأخير (أحاديث المارة) لكنني لم أجد في رفوفي سوى نسخة واحدة والعتب على دار (المدى) التي لم تبعث لي سوى خمس وعشرين نسخة فقط!
الكتاب العربي الوحيد الذي استعرته هو (الخبز الحافي) للمغربي محمد شكري الذي قرأته من سنوات بعيدة ونسيت تفاصيله لكنني أتذكر مناخه ولغته الجميلة وجرأته في كشف المستور العربي وأخلاقنا المستعارة وأقنعة الكاتب العربي التي تعيق حريته في التعبير عن المسكوت عنه، كما استعرت كتاباً آخر هو (Letters to Monica) لفيليب لاركن، بالانكليزية.
خرجت سعيداً بكنزي الورقي من كتب العالم فدلفت إلى أول حانة لأتملى كنزي المثير.. طلبت كأساً من البيرة (هنا ثمة بيرة أمستل أيضاً) وجلست لأبدأ بقراءة العربي المغربي محمد شكري:
"صباح الخير أيها الليليون،
صباح الخير أيها النهاريون،
صباح الخير يا طنجة المنغرسة في زمن زئبقي.
أنتظر أن يُفرج عن الأدب الذي لا يجترّ ولا يراوغ: مثل هذه الصفحات عن سيرتي الذاتية".
لم أفتح كتاب فيليب لاركن بعد.
في مكتبة البلدية
[post-views]
نشر في: 1 إبريل, 2013: 09:01 م
جميع التعليقات 1
رانيا
مساء الخير استاذ عواد سعدت بقرأ مقالك الغني بمعاني الثقافه اتمنى أن تزورني في هذا الموقع وأن اتشرف بحظورك البهي هنا http://jihaddaher.blogspot.se/ او هنا https://www.facebook.com/QsaydJihadAldahr محبتي وتقديري رانيا