احتفظ بعدد من الرسائل جاءتني من الأصدقاء المسرحيين تخص عملنا وفيها آراء اعتز بها، الأولى جاءتني من صديقي ورفيق دربي (بدري حسون فريد) في أواخر الشهر الرابع من عام 1974 بعد أن شاهد مسرحية (ثورة الزنج) لمعين بسيسو والتي أخرجتها لطلبة أكاديمية الفنون الجميلة وشاركني في إنتاجها الفنان الراحل (كاظم حيدر) مصمماً للديكور والموسيقار الدكتور (طارق حسون فريد) الذي ألف موسيقى وأنغام أغاني الجوقة التي أبدع في تلحينها وفي توزيعها الاوركسترالي فكانت من العوامل الرئيسية لنجاح العرض بامتياز والمعروف ان تلك المسرحية تربط بين الثورة الفلسطينية ضد المحتل الصهيوني وثورة الزنج ضد المستلب (بكسر اللام) الإقطاعي وفيها إشارة الى النتائج الوخيمة التي تحدث عن توقف الثورتين دون تحقيق أهدافهما وفيها إدانة الى الذين يحاولون التزييف والانحراف، وفي رسالته قول (بدري) (أتيت مرتين لان هناك في عملك (ثورة الزنج) انها مفخرة تهنئة من القلب).
الرسالة الثانية جاءتني من تلميذي المخرج المبدع الذي ذاع صيته عربياً وعالمياً (جواد الأسدي) بعث بها إلي من بلغاريا عندما كان يدرس الفن المسرحي هناك أواخر السبعينات وقرأ ما نشرته الصحف العراقية عن عملي (ملحمة كلكامش) الذي أخرجته لطلبة أكاديمية الفنون أيضا، والمقالة التي كتبتها البروفسورة الرومانية (اليانا بيرلوجا) عن الملحمة التي شاهدتها في المسرح الأثري في بابل ونشرت في مجلة فنون العدد 72 في 21/1/1980 وترجمها الدكتور عبد الإله في تراثنا الأدبي والمسرحي بعد ان قمت بمعالجتها في أربع مقاربات إخراجية الأولى مع طلبة الأكاديمية والثانية مع أعضاء الفرقة القومية للتمثيل والثالثة مع طلبة قسم التربية الفنية والرابعة مع أعضاء الفرقة القومية أيضا ولكن مع نص أعدته الروائية المبدعة (لطفية الدليمي) بعنوان (الليالي السومرية) وذكر جواد في رسالته (في كل مرة تريد الاضافة بما يتناسب مع عظمة الملحمة.. ومع السعي لإيجاد مسرح أصيل، مسرح عراقي) وطلب مني ان أزوده بمادة تتعلق بالملحمة، ولا ادري ماذا سيقول عندما يعلم بانني اليوم أخوض مغامرة سادسة في إخراجي لملحمة كلكامش مع مجموعة من شباب المسرح العراقي ستظهر نهاية الشهر الثالث من هذه السنة.
من الأديب والمثقف التقدمي الراحل (جليل القيسي) جاءتني أربع رسائل وهو في كركوك منزوٍ لا يكاد يذكره ويذكر عطاءه الأدبي والفني احد خلال الثمانينات من القرن العشرين مع كونه ملهماً للعديد من كتاب القصة والرواية في زمنه ومع كونه من ابرز المجددين في كتابة المسرحية ويكفي ان نذكر تلك المسرحيات التي نشرها في لبنان في مجموعته (غيفارا عاد افتحوا الأبواب)، الرسائل الأربع تكشف لي عن مسرحيات كتبها الراحل ولم يستطع ان يضع لها عناوين وعرض علي فكرة إخراجها، وفي الأولى تحدث عن مسرحية كتبها ونسبها وعثر عليها بالصدفة وتعرض فيها للثورة الفلسطينية التي حسب ما يعتقد انها حرمت على نحو مؤلم من تجسيد نضالاتها عبر أعمال أدبية وفنية في الآونة الأخيرة، ويذكر الراحل ان من واجبنا كفنانين وكتاب ان نلتفت إليها بين الحين والآخر، وطلب مني إخراجها إذا ارتحت لها ولكن للأسف لم تسنح لي الفرصة والوقت وبرنامج فرقتنا (المسرح الفني الحديث) كي نحقق له أمله.
في الرسالة الثانية أشار الى مسرحية كتبها بعد ان قرأ بحثا ًعن المخرج البولوني (جيرزي غروتوفسكي) وطريقته في الإخراج ونظرته الرائعة الى الممثل، ويذكر انه أرسل نص المسرحية إلي كي يسمع رأيي حوله، انه تواضع المبدع المقتدر، ومرة أخرى لم تسنح لي الفرصة بإخراج هذه المسرحية أيضا.
في الرسالة الثالثة يشير الى انه شاهد مسرحيتي (هاملت عربياً) في مسرح بغداد وأعجب بها وقال في رسالته تلك: (ان الذين كتبوا عن المسرحية في حينه، وعن أسلوب فهمك لشكسبير كانوا باختصار ومع الأسف الشديد، كلهم قطعاً دون مستواك فهماً وعذاباً وأصالة وإدراكا،..) وراح يمتدح أداء الراحل (عبد الجبار كاظم) الذي مثل دور (هاملت) ووصفه بكونه هائلا ليس كما ظهر في مسرحيته (غيفارا عاد) التي أخرجتها أنا أيضا.
في رسالته الرابعة يشير (القيس) الى نص مسرحيته التي لم يضع لها عنوانا والتي اتفقنا على ان يكون عنوانها (أيها المشاهد جد عنواناً لهذه المسرحية) والتي تتعرض لما حدث بعد اجتياز الجيش المصري لقناة السويس وطرد المحتلين الإسرائيليين من سيناء أوائل السبعينات من القرن الماضي وأطلق على الحملة عنوان (العبور) وكنت اعتقد كما اعتقد جليل نفسه بان ذلك العبور انما كان مسرحية ليس لها عنوان حيث كان الحدث مجرد ذر الرماد في العيون وبالتالي لغرض إقامة الصلح مع إسرائيل وان أرواح المقاتلين الذين استشهدوا أثناء العبور والذين اعدموا بعد ذلك لأنهم أرادوا مواصلة القتال من اجل تحرير الأرض السليبة، راحت كلها هباءً منثورا.
وكان اتفاق رأيينا هو الذي دفعني لإخراج المسرحية لحساب فرقة المسرح الفني الحديث وفي مسرح بغداد الذي هو الآن مجرد خرابة.
من رسائل الأصدقاء
[post-views]
نشر في: 1 إبريل, 2013: 09:01 م
يحدث الآن
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...