مهدي صالح دوّايلم يكن التخطيط في يوم ما قضية خاسرة، فهو نقيض العشوائية، ومدخل للتطوّر باعتباره جسر العبور للمستقبل،، فالكل يخطط بغض النظر عن الفلسفة السائدة، ففكرة التخطيط ملازمة للعقل البشري، وعن طريقها يصبح بالإمكان التمييز بين الدول على قدر ماتبدع به مخيلة مفكريها وقيادييها..
ومع تمسك الرأسمالية المفرط بتلقائية وآليات السوق لتحقيق التوازنات الكلية للاقتصاد، فإن تقدمها كان تطبيقا" لوصايا المخططين وإن اختلفت فلسفة الوسيلة والهدف. بل إن فكرة التخطيط التأشيري التي جاء بها الفرنسيون في عشرينيات القرن الماضي كانت إقرارا" بجدوى التخطيط الذي تتولاه الدولة في توجيه الفعاليات الاقتصادية بمشاركة رأس المال الخاص. وقد كان للتحليل الكينزي (نسبة إلى الاقتصادي كينز الذي دعا إلى دور أوسع للدولة في الاقتصاد) أثرا"في إطلاق الرؤى نحو فلسفة التخطيط الموجّه، ما ساهم في إنقاذ الرأسمالية (نظاما" وتطبيقا")من مأزق الانهيار المؤكد في ثلاثينيات القرن الماضي، إذ عبّرت الحلول الكينزية عن حقيقة، أن الغاية تبرر الوسيلة ولو ببعض التنازلات، وقد بنيت على وفق هذه الفلسفة العديد من الإسهامات النظرية التي لاتخرج عن إطار مايمكن تسميته الدولة الراعية للتطور، في حين أن هنالك دولا" تنبذ الرأسمالية، قد أطلقت العنان لشراهة القطاع الخاص دون أن تدرك حقيقة دوره الخطير في تحديد هوية التنمية التي ينشدها البلد. فالأزمة المالية الراهنة كانت اختبارا" حقيقيا" آخر لقدرات الدول التخطيطية، فنرى من خلال النتائج المبكرة للأزمة تفاوتا" في درجات التعاطي بنوعيه الإيجابي والسلبي معها، إضافة إلى حقيقة أن الاقتصاد المعولم بات أمراً "ينبغي التعامل معه وفقاً لرؤية دولية شاملة،ما يعطي للتخطيط دورا" رائدا" في عملية التطوّر الاقتصادي. وتأسيسا" لما سبق ينبغي التمييز بين نوعين من التخطيط، الأول: يتولاه القطاع الخاص، ويعد من العناصر الأساسية لتطوّر المؤسسة تحت مسميات الإدارة أو التنظيم، وعادة مايتباين دوره التنموي تبعا" للعديد من العوامل الذاتية والموضوعية، وينبغي تهيئة كل البيئات الايجابية له باعتباره نواة التطور الأساسية. الثاني: تخطيط يتولاه القطاع العام، وهو مايمثل باعتقادنا محور التنمية في البلدان الأقل نموا، ولكن أي تخطيط هذا؟ (إنه تخطيط تأشيري علمي استراتيجي ذو قدرة افتراضية للنفاذ إلى المستقبل، لايتقاطع مع تخطيط المشروع الخاص، بل يرعاه بما يمتلك من مؤهلات وخصائص تشريعية وتنفيذية متميزة). إن ما نصبو إليه في الاقتصاد العراقي هو تحقيق المواءمة بين كلا نوعي التخطيط، فما يحتاجه الإنتاج يمتلكه العراق وفقا" للعناصر التقليدية (عمل – ارض – رأس مال)، في حين يجسد العنصر الرابع (التخطيط) تفعيلا" وتعزيزا" لبقية العناصر، ولتجسيد تلك الرؤية ا فتراضيا" يمكن اعتماد الأهداف التخطيطية الآتية كإطار عام للتطور للسنوات الخمس القادمة (2010 – 2014): أولا": التخطيط وفقا" للبيئة المحلية. ا- رفع نسبة الموازنة الاستثمارية إلى 50%. ب- استكمال منظومة الطاقة الكهربائية بنسبة 100%. ج- جذب الاستثمار الأجنبي المباشر بمالايقل عن 40%، والاستثمار الأجنبي بالمشاركة مع المحلي بما لايقل عن 30%، والمتبقي استثمارات محلية. د- إنجاز ما لا يقل عن (10) مشاريع إستراتيجية على مستوى العراق وفقا" للمزايا التي تمتلكها كل منطقة، ه- العمل على انجاز 80% من قاعدة البنى التحتية وفقا" للمواصفات العالمية. و- توظيف السياسة النقدية بما يضمن تحقيق النسب الواردة في أعلاه، ومنها رفع قيمة الدينار العراقي، وإشاعة استخدام الوسائل المصرفية الالكترونية في عموم العراق، وتعزيز الإجراءات القانونية والإدارية لمعالجة ظاهرة غسيل الأموال، واعتماد سياسات إقراض تنموية مدعومة. ز- تكييف السياسة المالية وفقاً" لأهداف المرحلة الجديدة عن طريق اعتماد سياسة ضريبية محكمة لتقليل الاعتماد على المصادر الريعية للموازنة، وهذا الإجراء يتماشى بسهولة مع الفعاليات الاقتصادية المخطط لها. ثانيا": التخطيط وفقاً " للبيئة الإقليمية والدولية. أ- اعتماد أنظمة الجودة الشاملة الدولية العناصر والمعايير بما يوسّع من آفاق سوق العمل والخدمات. ب- السعي إلى استكمال إجراءات الانضمام إلى منظمة التجارة الدولية، وبضمنه تقوية العناصر التفاوضية لإمكانية الاستفادة القصوى من مزايا تلك المنظمة. ج- إعادة افتتاح مقرات وفروع المؤسسات الدولية بما يعزز تراكم الخبرات والاستشارات والتعاون البحثي د- الانفتاح الرقمي مع العالم من خلال إقامة المعارض الدولية وشراكات التصنيع بالامتياز أو المشاركة،والعمل على تأسيس الحاضنات التكنولوجية ومدن التكنولوجيا. إن التخطيط لنيل الأهداف السابقة لا يمثل بحد ذاته إعجازا" فريدا"، بل إن مكمن الصعوبة يتجسد في إشكالية الوضع العراقي بمعطياته السياسية والأمنية، وهنا يظهر الترابط بين الاستقرار بمفهومه الشامل من جهة وصناعة المستقبل عن طريق التخطيط له بثقة عالية من جهة ثاني
تخطيط: قبل مغادرة المستقبل
نشر في: 28 أكتوبر, 2009: 05:46 م