اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > عقدة كيس الدقيق؟!

عقدة كيس الدقيق؟!

نشر في: 2 إبريل, 2013: 09:01 م

الحكايات الشعبية التي يسردها كبار السن فاتنة. فاتنة لأنها تتضمن الكثير من الدلالات التي يكشف تحليلها على طبيعة العقل الذي نسجها وسردها، بالإضافة إلى فتنة الفكاهة أو العمق أو الحزن التي تتضمنها.
أتذكر في هذا الصدد الكثير من الحكايات، منها مثلاً حكاية كيس الدقيق التي تقول: إن فلاحاً ذهب لشراء بعض الدقيق لعائلته، بعد أن تركها بلا طعام، وكانوا يعانون من الجوع بسبب شح المطر، وبعد أن اشترى الدقيق لم يكن معه غير كيس مثقوب من القماش وضع فيه الدقيق بعد أن عقد الثقب الموجود فيه، وعاد إلى عائلته. وكان، وهو في الطريق، يحدّث نفسه عن أسباب الجفاف ويناجي ربه مردداً: (يا ربي حل عكدتها)، وهو يقصد أن يَحُل الله عقدة السماء من أجل أن تُمطر. وبقي يردد هذه الجملة إلى أن شعر بأن كيس الدقيق أصبح خفيفاً، ولما انزله من على ظهره تبين له بأن العقدة محلولة والكيس فارغ، فرفع رأسه إلى السماء وصاح بأعلى صوته (يا ربي آني صحيح كتلك حل العكدة بس قصدي عكدة السماء مو عكدة الكيس)!!
وهناك حكاية تتضمن نفس الدلالة التي اريد ان أصل لها في نهاية المقال، هذه الحكاية عن فلاح فقير اشترى يوماً نعجة وطلب من احد الرعاة ان يأخذها معه لترعى ضمن قطيعه، لكن الراعي عاد في مساء ذلك اليوم، وهو خجل، ليخبره بان نعجته (انطحلت) وماتت، فما كان من صاحبنا إلا أن أخرج رأسه من كوة في صريفته ورفع رأسه قائلاً: (النعجة اتروح فدوة الك يا ربي، بس اريد اعرف اشلون كدرت تعرفها من بين النعاج واتموتها هيه بالذات من بين بقية القطيع، مو حتى آني صاحبها ما اعرفها).
هذه الحكاية وسابقتها تُروى في مجالس كبار السن للتندر والضحك، وهي فعالية تكشف عن ثقافة باتت غائبة في مجتمعنا الآن، هي ثقافة التعامل التلقائي مع الرب، فالحكايات الشعبية تسرد واقع ثقافاتها، وهذه الحكايات تتحدث عن ثقافة يكون الرب فيها أشبه بالصديق، فحتى الاعتراض عليه ينطلق من قلب مازح. في هذه الثقافة لا يَحْضُر الرعب داخل العلاقة بين الرب والمربوب، بين الله والإنسان. الحكايتان تسردان واقعاً ريفياً حيث يعيش إنسان نعتقد بأنه بسيط ونترفع عليه في بعض الأحيان، لكن يبدو أن ذلك الإنسان خال من العقد التي شوهت الكثير من ملامح وعينا، ومن هذه الملامح طبيعة علاقتنا بالرب، وهي علاقة تشوهت لدرجة أخرجت الرب من كونه صديقا إلى كونه عدواً.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 2

  1. رضا الشاعر

    وهو أقرب اليكم من حبل الوريد

  2. عبد الرحمن الجبوري

    كنت على التليفون مع صديق يسكن في استراليا وهو من اشد الناس تديننا. ويملك مزرعه في استراليا وقد اتت رياح عاتيه الاسبوع الماضي واقتلعت اشجار التفاح في مزرعته وتساقطت الثمار وقد مني بخساره كبيره. فكان رد فعله بان ذهب الى الاشجار الباقيه وقرر هزها لتتساقط منه

يحدث الآن

العراق الثاني عربياً باستيراد الشاي الهندي

ريال مدريد يجدد عقد مودريتش بعد تخفيض راتبه

العثور على جرة أثرية يعود تاريخها لعصور قديمة في السليمانية

"وسط إهمال حكومي".. الأنبار تفتقر إلى المسارح الفنية

تحذيرات من ممارسة شائعة تضر بالاطفال

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: العميل "كوديا"

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

 علي حسين ما زلت أتذكر المرة الأولى التي سمعت فيها اسم فولتير.. ففي المتوسطة كان أستاذ لنا يهوى الفلسفة، يخصص جزءاً من درس اللغة العربية للحديث عن هوايته هذه ، وأتذكر أن أستاذي...
علي حسين

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (1-2)عطلة نهاية العام نقضيها عادة في بيت خوالي في بغداد. عام ١٩٥٨ كنا نسكن ملحقاً في معمل خياطة قمصان (أيرمن) في منتصف شارع النواب في الكاظمية. أسرّتنا فرشت في الحديقة في حر...
زهير الجزائري

دائماً محنة البطل

ياسين طه حافظ هذه سطور ملأى بأكثر مما تظهره.قلت اعيدها لنقرأها جميعاً مرة ثانية وربما ثالثة او اكثر. السطور لنيتشه وفي عمله الفخم "هكذا تكلم زارادشت" او هكذا تكلم زارا.لسنا معنيين الان بصفة نيتشه...
ياسين طه حافظ

آفاق علاقات إيران مع دول الجوار في عهد الرئيس الجديد مسعود پزشكیان

د. فالح الحمراني يدور نقاش حيوي في إيران، حول أولويات السياسة الخارجية للرئيس المنتخب مسعود بيزشكيان، الذي ألحق في الجولة الثانية من الانتخابات هزيمة "غير متوقعة"، بحسب بوابة "الدبلوماسية الإيرانية" على الإنترنت. والواقع أنه...
د. فالح الحمراني
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram