ان الربيع العربي وما حمله من مفاجآت وإفرازات سياسية قد انعكست على توازن القوى في المنطقة بين الدول العظمى والمؤثرة على الخريطة السياسية وكذلك على توازن القوى الاقليمي بين الدول الصاعدة والطموح في ادارة ملف العلاقات الدولية في الفترة القادمة، فالتغيير
ان الربيع العربي وما حمله من مفاجآت وإفرازات سياسية قد انعكست على توازن القوى في المنطقة بين الدول العظمى والمؤثرة على الخريطة السياسية وكذلك على توازن القوى الاقليمي بين الدول الصاعدة والطموح في ادارة ملف العلاقات الدولية في الفترة القادمة، فالتغيير السياسي في المنطقة قد ضربت مصالح بعض الدول وعزلته من الاحداث والمعطيات السياسية، وكذلك قلل من تاثير بعض الدول في صناعة التاثير السياسي في الفترة التي تلت سقوط الانظمة الدكتاتورية واحدة تلو الاخرى، فالولايات المتحدة الامريكية التي احتفظت بدور فعلي منذ انسحاب بريطانيا من قناة السويس في 1971 من خلال تفردها بالتاثير عن طريق الانظمة الشمولية التي حافظت على مصالح الدول العظمى قبل مصالح شعوبها، فالولايات المتحدة تواجه نوعين من العوائق في فترة ما بعد الربيع العربي: اولهما الخوف من استمرار التميز الامريكي لكون الحكومات المنتخبة من قبل الشعوب العربية سوف تعمل بنوع من الاستقلالية عن القرار الامريكي الامر الذي يعني ان واشنطن لا يمكن ان تتمتع بمصالح مجانية ودعم مجاني لسياساتها في الشرق الاوسط . وثانيهما تتعلق بمسالة الامن الاقليمي بصورة عامة ومسالة امن اسرائيل بصورة خاصة، فالامن الاقليمي وتهديد الاستقرار السياسي في المنطقة بات مصدرا واضحا للتهديد ضد سياسات الولايات المتحدة وستراتيجيتها في الشرق الاوسط، وذلك لانعدام التوازن في السياسات الامريكية ومحاولتها المستمرة على حفظ امن اسرائيل على حساب حرية واختيارات الشعوب في المنطقة، فالربيع العربي قد فرض على إسرائيل حالة من العزلة الامر الذي يضر بمصالح واشنطن في حالة استمرار العزلة وفقدان اسرائيل لدورها في المنطقة .
اي ان التغيير في معادلة النفوذ الامريكي يعتبر تغييرا في موازين القوى، وهذا ما دفع الولايات المتحدة الى دعم خيارات الشعوب والاستغناء عن حلفائها التقليديين في المنطقة محاولة منها في بسط سيطرتها على الخريطة السياسية الجديدة من خلال التقرب من الاتجاهات الاسلامية في كل من مصر وتونس وسوريا. ومن اجل المحافظة على توازن القوة فقد دخلت كل من روسيا والصين في منافسة سياسية مع واشنطن من اجل المحافظة على مصالحهما ودورهما الاقليمي في الشرق الاوسط وشمال افريقيا فالاقتراب الافريقي – الصيني بات مصدر القلق بالنسبة للدول الاخرى اما بخصوص حلم روسيا في استرجاع تاثيره على غرار الحرب الباردة بات هدفا اقرب الى الخيال من الواقع السياسي، وهو ما افرزت في نهاية المطاف تقسيم العالم على محورين وكأن العلاقات الدولية تديرها عقلية الحرب الباردة. فالمنافسة بين الدول العظمى على النفوذ السياسي ما هي الا احدى تجليات الربيع العربي وتاثيرها على توازن القوة في الشرق الاوسط. اما على مستوى الدول الاقليمية فالمنافسة والصراع من اجل القوة والنفوذ في المنطقة تحتكرها كل من تركيا وايران والسعودية ، فالسعودية تحاول تقوية نفوذها في الخليج العربي من خلال حماية الدول الخليجية التي تعاني من تزايد النفوذ الايراني عن طريق فرض القرار السعودي والتحالف الستراتيجي- العسكري مع الدول الخليجية التي ترى في السعودية دولة الردع مع ايران من خلال نفوذها السياسي وعلاقاتها الستراتيجية مع الولايات المتحدة الامريكية، وتحاول طهران إنقاذ النظام السوري ودعم حلفائها في العراق ولبنان للمحافظة على مصالحها ومصالح دول المحور المعادي، وفي المقابل تحاول تركيا ممارسة دور الاخ الاكبر من خلال دعم الثورات العربية للحصول على الدعم الشعبي في العالم العربي الامر الذي يوفر لانقرة اوراقا سياسية لحماية مصالحها ونفوذها الستراتيجي في المنطقة. اذن انقلاب التوازن يعد العنوان العريض للحالة السياسية في الشرق الاوسط.