عندما احتل الأمريكان العراق، خصّصوا لهم مكاناً آمنا في بغداد أطلقوا عليه اسم "المنطقة الخضراء". والمحتل في أي بلد ممكن أن يعمل الشيء ذاته لأنه لا حاجة له بالشعب كي يتقرب منه أو يختلط معه. وعندما رحل المحتل، أو حتى قبل أن يرحل، اتخذت الحكومة العراقية من تلك المنطقة مقرا لها لتعزل نفسها عن الشعب الذي تركته بالمنطقة الحمراء. ظلت تتصرف تصرف محتل بامتياز.
تسمية الخضراء لم تكن بسبب كثرة أعشابها أو أشجارها، كما يحاول البعض من دولة القانون إيهامنا بمعناها. سميت كذلك لأنها آمنة. وفكرة اللون الأخضر هي ذاتها في إشارات المرور الضوئية. فعندما يكون لون الإشارة أخضر فإنها علامة للسائق بأن "سر فالطريق آمنة". وإن كانت حمراء فمعناها "قف فالطريق خطرة". وهكذا صار العراق منطقتين بدءا من بغداد: خضراء وحمراء.
الذين في الخضراء، وهم الطبقة الحاكمة وأخواتها، ينامون ليلهم بارتياح، ويمشون على طولهم نهارا، هم ونساؤهم وأبناؤهم وأزواج بناتهم وأحفادهم وآباء زوجات أبنائهم وأجداد أحفادهم ..الخ. مع هذا يركبون السيارات المضادة للرصاص ولهم حمايات من كل الجهات ويقال إن كل من يعمل في الخضراء له مخصصات خطورة أو بدل خطورة. الله وحده يعلم كم تكلف تلك المنطقة ميزانية الدولة.
أما ملايين الشعب الذين يعيشون في الحمراء فهؤلاء عرضة للقتل وسفك الدماء وهدم البيوت وذبح الأطفال في أي لحظة. مكشوفين للإرهاب أينما كانوا. في بيوتهم أو في الشوارع أو في المدارس أو الجوامع والحسينيات.
لا أظن أن شعبا يعيش مثلما يعيش العراقيون. حاكمهم، وقائد قواتهم المسلحة والأمنية والمخابراتية والدفاع والداخلية، متحصن بالخضراء يحكم البلد بالهاتف النقال، والشعب الذي في الحمراء كل فرد فيه ممكن أن يقتل بأي ثانية. وهل من خطر اكبر من هذا وأشد؟ مستحيل.
المعروف أن الإنسان إذا عمل بأي مكان فيه شيء من الخطر يصرف له بدل خطورة. ففي المستشفيات، مثلا، يصرف للعاملين بدل عدوى لأنهم يتعاملون مع المرضى. فأين العدل في أن يصرف لأهل الخضراء مخصصات حماية، وهي الآمنة المؤمَّنة، بينما الشعب الذي في الحمراء لا يصرف له شيء !
على المالكي، الذي عجز من توفير حماية للشعب مثلما وفّرها لنفسه ومقربيه وآل بيته، أن يصرف للشعب مخصصات "بدل إرهاب". فليس من العدل تأمينه سلامة نفسه ونسائه وأولاده بالخضراء، تاركا بقية الشعب هدفا مكشوفا للإرهاب بدون حماية.
إن بلدنا غني وأكثر من غني. الحكومة نفسها تقول إننا نصدر 3 ملايين برميل نفط يوميا. العائد يساوي 300 مليون دولار يوميا. معدل سعر السيارة المضادة للرصاص 100 ألف دولار. هذا يعني أنه بوارد النفط ليوم واحد ممكن أن نوفر للشعب 3000 سيارة مصفحة توزع بالقرعة بواقع سيارة لكل عائلة. كم يوم نفط نحتاج لنوفر سيارة منها لكل بيت عراقي؟
على الدولة، أيضا، أن تخصص لكل طالب بدءا من رياض الأطفال إلى آخر صف بالجامعة "بدل إرهاب"، لأنهم يغامرون بحياتهم من اجل التزود بالعلم. وعليها أيضا أن تصرف البدل لكل بائع جوال أو قاصد مسطر للبحث عن عمل. ولكل عامل وعاملة وموظف وموظفة لأنهم يعملون بالمنطقة الحمراء وهم مهددون بالتفجيرات، وليسوا عاطلين عن العمل مثل اغلب الذين في الخضراء.
لكن السؤال يظل: هل يعرف رئيس الحكومة والمدافعون عنه الفرق بين الخضراء والحمراء؟ أشك. فلو كانوا يعرفون لاستحوا وغادروا الخضراء من سنين. ولو كان المدافعون يعرفون لما انتخبوهم.
جميع التعليقات 1
أحمد هاشم الحسيني
صدقت وقد وضعت يدك على الجرح كما يقول المثل فضحية العمل الإرهابي لا يحصل الا على نصف مليون دينار عند وفاته تسلم لعائلته لتغطية مصاريف الفاتحة والدفن وغير هذا فإنه لا يحصل على أي شئ ولا حتى تقاعد لعائلته إلا إذا كان موظفا وبعد اللتي واللتيا حيث تضطر عائلة ا