تثير اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة "سيداو" جدلاً في تونس، فالتوقيع عليها وسحب التحفظات عنها، قد يتعارضان مع الدستور الجديد بحسب إسلاميين، كما أنهما قد يتناقضان مع خصوصية المجتمع وهويته. محمد بن رجب من تونس: وافقت الحكومة التونسية ا
تثير اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة "سيداو" جدلاً في تونس، فالتوقيع عليها وسحب التحفظات عنها، قد يتعارضان مع الدستور الجديد بحسب إسلاميين، كما أنهما قد يتناقضان مع خصوصية المجتمع وهويته.
محمد بن رجب من تونس: وافقت الحكومة التونسية الموقتة التي ترأسها الباجي قائد السبسي سابقًا، من خلال مرسوم رئاسي على سحب التحفظات على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة "سيداو" ( CEDAW).
وتحمي تلك الاتفاقية حقوق المرأة دولياً، لكنها تتعارض في كثير من بنودها مع المبادئ الإسلامية وعلى رأسها موضوع "المساواة في الميراث"، وهو ما أثار جدلاً واسعًا في أوساط الإسلاميين والحقوقيين في تونس.
اتفاقية سيداو
جاء في مقدمة "اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة" أنّ الجمعية العامة للأمم المتحدة اتخذت في 18 كانون الأول / ديسمبر 1979 خطوة رئيسية نحو تحقيق هدف منح المرأة المساواة في الحقوق من خلال اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة.
وضعت هذه الاتفاقية المؤلفة من 30 مادة، في قالب قانوني ملزم، المبادئ والتدابير المقبولة دوليًا لتحقيق المساواة في الحقوق للمرأة في كل مكان، وجاء اعتمادها لمشاورات استمرت لفترة خمس سنوات، والتي أجرتها أفرقة عاملة متعددة واللجنة المعنية بمركز المرأة والجمعية العامة.
وتعتبر الولايات المتحدة الدولة المتقدمة الوحيدة التي لم تصادق على اتفاقية سيداو إضافة إلى ثماني دول أخرى لم تنضم إليها بالأساس من بينها إيران، السودان، الصومال وتونغا.
السيادة الوطنية
اعتبر وزير الشؤون الدينية التونسي نور الدين الخادمي أنّ سحب التحفظات على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة ( سيداو ) يتناقض مع السيادة الوطنية.
وأكد في ندوة "الأسرة في الدستور الجديد" أنّ سحب التحفظات التي سجلتها تونس حول عديد البنود التي تضمنتها تلك الاتفاقية يمثل "مخالفة صريحة للسيادة الوطنية والخصوصية الثقافية والقيم الإسلامية السمحة"، مبينًا أنّ التحفظات تندرج أساسًا حول عديد المواضيع الهامة في مجتمعنا، والتي تهتم بالمساواة في الميراث بين الجنسين، إلى جانب العدّة والفروق الطبيعية التي تستمد من وظائف وأدوار كل من المرأة والرجل.
أوضح الوزير الخادمي أنّ "المرأة هي إنسان مكرّم ومكلّف، له واجباته وحقوقه"، ويقول:" نحن مع المساواة العادلة والحقوق الكاملة بين الجنسين، وهو ما يدعو إلى مواصلة التحفظ على عدد من بنود هذه الاتفاقية مع ما ورد في الفصل الأول من الدستور، والذي تم الإجماع حوله.
رفع التحفظات
أكد محمد القوماني رئيس حزب الإصلاح والتنمية في تصريح لـ"إيلاف" أنّ تونس كانت صادقت على "اتفاقية سيداو" منذ سنوات مع وجود تحفظات، وعند رئاسة فؤاد المبزع بعد هروب الرئيس بن علي مباشرة، اقترح مجلس وزاري رفع تحفظات تونس على هذه الاتفاقية، وصدر بالتالي مرسوم من رئيس الجمهورية يأذن للحكومة برفع هذه التحفظات لكن ذلك لم يحصل إلى حدّ الآن.
وأشار إلى وجود دعوة من بعض الأطراف من المجلس الوطني التأسيسي لرفض رفع هذه التحفظات بعد جلسة عامة أو الإبقاء عليها و إلغاء المرسوم الرئاسي.
تتعارض مع الدستور
قالت الحقوقية والناشطة السياسية حنان ساسي في تصريح لـ"إيلاف" إن من حقّ الدول أن تسجل تحفظات على اتفاقيات دولية تتعارض مع قوانينها خاصة وأن اتفاقية سيداو تتعارض في عدد من بنودها مع الفصل الأول من الدستور التونسي الذي أجمع حوله كل الفرقاء السياسيين.
وتشدد الاتفاقية على تساوي الرجل والمرأة في المسؤولية داخل إطار الحياة الأسرية.
تناقض تعاليم الإسلام
يرى محمد القوماني، رئيس حزب الإصلاح والتنمية، أن تحفظات الدول على بعض المواثيق الدولية هو أمر يجري به العمل في جميع الاتفاقيات، كما أن عديد الدول العربية والإسلامية وحتى دولاً غربية منها الولايات المتحدة الأميركية قد تحفظت هي الأخرى على بعض فصول الاتفاقية الدولية لمناهضة جميع أشكال التمييز ضد المرأة، وهو أمر وجيه لأن بعض الفصول فعلاً تتناقض مع تعاليم الإسلام أو مع تشريعات محلية، والأكثر من ذلك أنها تتعارض مع أسس الأسرة العربية والإسلامية والعلاقات داخلها لأن الإسلام يعطي قيمة كبرى للأسرة على عكس الغرب عمومًا.
وأشار القوماني إلى أنّ إلغاء التحفظات لا يخدم كيان الأسرة ولكن هذه التحفظات لا تلغي واجب الحكومة التونسية في أن ترفع كل أشكال التمييز ضد المرأة، وهذا لا يتناقض مع قضايا جوهرية في الثقافة الإسلامية.
وترى رئيسة جمعية "النساء الحراير" زينب حامد في إفادتها لـ"إيلاف" أنّ الاتفاقيات المصادق عليها مهمة، وفيها جوانب إيجابية بالنسبة للمجتمع لكن في إطار العولمة التي نعيشها اليوم وفي أبهى تمظهراتها، هناك اتفاقيات شبه مفروضة علينا وهي لخدمة أجندات ودول معينة ولكنها تهدم بعض خصوصياتنا التي نوّد المحافظة عليها لأهميتها بالنسبة للمجتمع التونسي.
أضافت:" يجب علينا أولا التفكير ومن خلال تصور معين في صورة المجتمع الذي نريد والخصوصيات التي نوّد المحافظة عليها، وهل أنّ هذه الاتفاقيات تساعدنا فعلاً على بلوغ النمط المجتمعي الذي نحلم به أم لا؟ وعلى ضوء ذلك نقرر ما هي التحفظات الواجب اتخاذها، وذلك من خلال الدستور الجديد الذي يواصل النواب في المجلس التأسيسي العمل من أجل إعداده".
تدمير الخصوصيات
وقالت زينب حامد :" باسم الحرية والديمقراطية تدمر الثقافات وتفقد الشعوب خصوصياتها وهوياتها، ومن لا تاريخ له، يريد أن يرفض تاريخ الغير كأنّ للعالم تاريخًا واحدًا".
وأكدت ضرورة التروّي والتثبت في كل هذه الاتفاقيات وما يرافقها من اشتراطات في هذه الفترة الحساسة من المسار الديمقراطي الانتقالي الذي نعيشه بعد الثورة، وذلك في انتظار استكمال المسار وبناء المؤسسات الشرعية التي تكون قادرة، وبعيدًا عن الضغوطات، على اختيار ما يلزمنا و ما لا يلزمنا، وذلك بإعلام الشعب بكل جديد حتى يتحمل مسؤوليته ويكون مواكبًا لكل الاتفاقيات وعارفاً بكل الضغوطات التي تخضع لها حكوماتنا.
المؤسسات الشرعية
اعتبر رئيس حزب الإصلاح والتنمية محمد القوماني أنّ موضوع رفع التحفظات على الاتفاقيات الدولية المصادق عليها لا يمكن أن تضطلع به حكومة موقتة ولا الحكومة السابقة ولا الحكومة الحالية، مفضلاً أن يترك الأمر للوضع المستقر بعد تأسيس المجلس التشريعي ويكون متاحًا حوار وطني حقيقي لرفع التحفظات دون أن يكون ذلك استغلالاً لظرف تغيب عنه التمثيلية القوية للسلطات.
من جانبها تعتقد رئيسة جمعية "النساء الحراير" أنّ أي أمر جديد إذا نضج في المجتمع فلا يمكن أن نرفضه، فإذا اختار الشعب التونسي تطبيق الشريعة الإسلامية منهجًا أو اختار أن يكون علمانيًا هناك مسار معين يجب المرور به لتحقيق تلك الصورة التي سيكون عليها المجتمع التونسي غدًا.
وأشارت ساسي إلى أنّ حكومة الباجي قائد السبسي الانتقالية التي أصدرت مرسوماً لرفع التحفظات على هذه الاتفاقية التي تمت المصادقة عليها في عهد الرئيس السابق، لا يجوز لها أخلاقيًا وقانونيًا التوقيع على معاهدات واتفاقيات دولية تهمّ مستقبل البلاد، وبالتالي يعتبر ذلك التوقيع تجاوزًا لصلاحياتها، وأكدت ضرورة التريث إلى ما بعد الانتخابات القادمة وبناء مؤسسات دستورية تحظى بالإجماع تكون لها الصلاحية لتوقيع معاهدات وإبرام اتفاقيات يستفيد منها المجتمع التونسي ولا تتعارض مع خصوصياته ومبادئه وثوابته.
وكانت السويد أول دولة توقع على الاتفاقية وذلك في 02 يوليو 1980 لتدخل حيز التنفيذ في 03 سبتمبر 1980 وبتوقيع 20 دولة أخرى على الاتفاقية.
وبحلول مايو 2009 صادقت أو انضمت إلى الاتفاقية 186 دولة كانت أحدثها قطر في 19 أبريل 2009.