خلال مطالعتي لبحث في أساليب التربية الحديثة التي تعتمد التفاعل الإيجابي لا التلقي السلبي، تذكرت الفيسبوك وتفاءلت كثيراً. فالتربية في مجتمعنا غير قابلة للعلاج حالياً، خاصَّة مع افتقارنا للتربويين القادرين على النهوض بواقعنا المنهار. وأيضاً مع وقوع وزارة التربية بأحضان بعض من وزراء الصدفة، ممن لم يفهموا أن وزارة التربية مسؤولة مسؤولية تامة عن إعادة بناء المجتمع.
على كل حل منشأ التفاؤل أنني وجدت في الفيسبوك ما يشبه المدرسة الكبيرة، التي تَسْتَخْدِم في نقل المعلومة مناهج التعليم التفاعلي/ الإيجابي، لا التلقين/ السلبي. ففي الفيسبوك تُطرح اليوم أهم قضايا المجتمع على بساط النقاش، ويتشارك الجميع بتقليب وجهات النظر حولها، ولا يكون بين هؤلاء المشاركين ـ غالباً ـ من هو معلم ومن هو تلميذ، حيث تجد آراء المثقفين "المعلمين" عرضة لنقد وربما تندر بقية المتلقين "الطلبة" وهذا النقد أو التندر لا يحدث لمجرد المشاكسة بل لمناقشة الفكرة وطرح وجهات نظر مستقلة عن وجهة نظر المثقف. وفي هذا الصدد حدثت لي تجربة مع مجموعة (نريد أن نعرف) على الفيسبوك، وهي مجموعة نَضَمْتُها مع مجموعة من الأصدقاء على هامش تظاهرات شباط عام 2011. وكان أن جَمَعَت هذه المجموعة نخبة كبيرة من الكتاب والمثقفين مع مواطنين مهتمين، وكانت تحدث في فضاء هذا العالم الافتراضي مناقشات "حامية الوطيس" على أهم القضايا ـ السياسية، الاجتماعية، الدينية ـ العالقة في العراق، ويتشارك فيها أفراد من مختلف طبقات وطوائف واثنيات وأعمار المجتمع، الأمر الذي جعل هذه النقاشات معقدة وغير قابلة للإنتاج في بداية الأمر، وكاد صبري وصبر بقية شركائي بالتجربة أن ينفد، لولا أن بصيصاً من الأمل أخذ يغرينا بالاستمرار، فقد بدأت بعض التغييرات تظهر على أكثر الشركاء تفاعلاً بالنقاش وتشدداً بآرائهم، وبدأت المواقف تتغير، الأمر الذي أثار استغرابنا وقتها، ولم نعرف بأن الموضوع يتعلق بتبلور مدرسة خاصَّة في بلد يفتقر إلى المدارس العامَّة، مدرسة لا يمتلكها أحد ولا يتغطرس فرد ما أو طائفة بوضع مناهجها التي تبث الكراهية أو تنتج العوق. مدرسة جميع أفرادها معلمون وطلبة بنفس الوقت، مدرسة لا تخاف من مناقشة أعقد مشاكل المجتمع وأكثر أمراضه نتانة.
في مدرسة الفيسبوك ما زلت تلميذاً يحرص أن يكون مثابراً، وقد تعلمت فيها الكثير من الحكمة، وكنت شاهداً على تبلور وبناء شخصيات وأفكار عراقية غاية بالأهمية. اليوم أعرف أصدقاء تحولوا إلى قامات مهمة، ولا يعرفون بأنهم كذلك، أصدقاء دخلوا عالم الفيسبوك وهم تلاميذ بسطاء، ثم وفي خضم سنوات قليلة قفزوا قفزات معرفية هائلة. هنيئاً لهم، وهنيئاً لنا بهم، وتحيا مدرسة المشاغبين في الفيسبوك.
مدرسة للمشاغبين
[post-views]
نشر في: 5 إبريل, 2013: 09:01 م
جميع التعليقات 1
أحمد هاشم الحسيني
تحياتي أستاذ سعدون ومع اني متابع جاد لمقالاتك اليومية وأفكارك الجميلة ولكني حزين جدا لما أراه من أخطاء إملائية أو نحوية متكررة للأسف لا تليق بالكاتب المرموق وقد تترك أثرا سيئا في إملاء القراء وقواعدهم حينما يقلدون ما تكتب على أساس أنك لا تكتب إلا الصحيح :