بين حين وآخر، لا ينسى الصديق الأديب خالد القشطيني أن يتحفنا بالكتابة متغزلاً بأيام خلت يسميها "زمان الخير". اتفق معه كثيرا حين يتحدث عن حاضرنا العراقي المؤلم. لكني حين أقرأ ما قالته العراقيات في الدارمي وما قاله الشعراء الشعبيون القدامى خاصة في الموال، لا أجد أن أيامهم تختلف عن أيامنا.
فمرارة الريق التي تحسها العراقيات صباح كل يوم ، عدا الساكنات بالخضراء طبعا، خوفا من مفخخة أو تفجير قد يأخذ منهن عزيزا يزيد أعمارهن سوادا، كانت جداتهن قد أحسّنه بالأمس:
مطكوكة باليافوخ ما شوف الحذاي
صبّح يريجي اليوم حنظل على هواي
ما الذي تغير بين الأمس واليوم؟ كم من العراقيات ما زلن مثل تلك التي قالت قبل أكثر من مئة عام؟:
يـا دمع بس بالليل خل عيني تنام
ومن الصبح للضيم أتحـزّم حزام
وفي الموالات القديمة تحس طعم مرارة الشكوى من المفسدين الذين لا تعرف الرحمة طريقا لقلوبهم ضمائرهم. اقرأوا هذا الحوار بين شاعرين. أما ترونه كأنه دار صباح اليوم؟:
قال الأول:
يا صاح جرح الكلب حاير انه ابلحمته
وثوب الألبسه ركد مبتوت من لحمته
غم الرجل لو رجه انوالات من لحمته
يا صاحبي الروح بعنان الصبر عنّها
وديار الاجواد بالك تنكطع عنّها
لكن بدت مسأله ورد أساْلك عنّها
كلي الچلب لوسمن هم تنوكل لحمته؟
أجابه الثاني:
ارداي ثوب الصبر واعله النوايب جلد
واللي نخاني اطيحن دوم جلد اوجلد
اطعن اچبود العدا وللروس اجلد جلد
دوم اعتني الزينات في سابع سمه لو سمن
ولركاب الأنذال انه المشتري لو سمن
يلكلت لحم الچلب من ياكله لو سمن؟
اليوم اكو انذال تاكل لحمته والجلد
ومن يتصفح موالات الحاج زاير فسيجد، كما قلت مرة، انه كتب أغلبها وكأنه يعيش معنا. وربما يكون هذا واحدا من أهم أسباب حب العراقيين لها وانتشارها بينهم:
يا صاح عودي ذبل وبكل دوه ما يصح
والدمع سال وجره من ناظري ما يصح
والنيب مثلي بحنينه لو صحت ما يصح
من حيث مصيوب ما بين الجوانب تبن
بمعــالــج الـروح ســري لو امـوتـن تبـــن
لا تنهضم للسبع لو صار علفه تبن
اليوم .. حتى التبن علف السبع ما يصح
تصفحت ديوان الحاج زاير فعشت معه لحظات محزنة. أحسست بوجعه وشكواه في زمن ما كان يستجيب له فيه أحد. بحثت لعليّ أجد شيئا من "زمان الخير" الذي يتحدث عنه صديقي القشطيني فلم أجد. بل وجدت الحاج زاير كأنه يسأل القشطيني عنه:
يا ساعة .. يا يوم .. كلي يا شهر .. يا سنة؟
أمـس واليـوم
[post-views]
نشر في: 6 إبريل, 2013: 09:01 م
جميع التعليقات 1
Anonymous
هذا الموال للشاعر المرحوم الحاج مطشر عبد النبي المجراوي والسابق له هو لوالده الشاعر عبد النبي دلدل المجراوي والأخير للشاعر عبد الأمير مطشر المجراوي ومذكور في ديوانه (مشوار العمر) عليكم ذكر ذلك فهذه حقوق