اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > تحقيقات > تأثيرات التغيير على الأسر العراقية وعقوق الوالدين

تأثيرات التغيير على الأسر العراقية وعقوق الوالدين

نشر في: 6 إبريل, 2013: 09:01 م

الأحداث التي جرت في العقود الأخيرة على بلدنا  والمآسي التي حلت به أخلت بتركيبته الاجتماعية ، إذ فقد مجتمعنا في خضمها واحتدامها كثيرا من قيمه الجميلة وأعرافه وتقاليده التي ألفها عبر أجيال وأجيال ، مثلما أخلت بطمأنينة الأسرة الواحدة وبالقيم الطيبة

الأحداث التي جرت في العقود الأخيرة على بلدنا  والمآسي التي حلت به أخلت بتركيبته الاجتماعية ، إذ فقد مجتمعنا في خضمها واحتدامها كثيرا من قيمه الجميلة وأعرافه وتقاليده التي ألفها عبر أجيال وأجيال ، مثلما أخلت بطمأنينة الأسرة الواحدة وبالقيم الطيبة التي كانت تسودها من تواد وتراحم وتكافل بين أفرادها،وأزرت بمكانة الأم والأب وقللت من شأن حنو الوالدين وعطفهم المبالغ فيه  وأبرزت عادات وسلوكيات مستنكرة  لم يعرفها مجتمعنا من قبل، فبسبب غياب الأب وترمل الأم والظروف القاسية التي عاشتها الأسرة ، تصدعت جوانب عدة منها ، فبتنا نشهد تمردا ملحوظا للأبناء وخروجهم على طاعة الوالدين حتى صارت الشكوى من عقوقهم مألوفة .
تعدد منابع التربية
نسمع حكايات وحكايات عنها أينما كنا ، في سيارة الأجرة أو في عيادة الطبيب وأثناء الجلوس في  المقهى ومن الأمهات والآباء أنفسهم ، يتداولها القريب والبعيد . تعالوا بنا لنطلع على تجارب بعض الآباء والأمهات وآرائهم حول الموضوع ومناقشة أسباب هذه الظاهرة السلبية التي تفاقمت مؤخرا ولنتعرف على دوافعها والحلول المقترحة لعلاجها.
صبيحة خليل 52 سنة موظفة تقول : ديننا الإسلامي الحنيف زاخر بالقيم النبيلة التي تحرص على تنظيم العلاقة بين أفراد الأسرة الواحدة وتماسكها وتضع الوالدين على رأس هرم الأسرة وتؤكد على الولاء لهما،بمعنى  الولاء المطلق مهما كانا من سوء.وقد وردت في قرآننا الكريم الكثير من الآيات التي تحث على طاعة الوالدين وحبهما وبرهما وعدم الاستهانة بهما وإذا ما حاولا دفعك إلى معصيته وهو أمر عند الله عظيم ،فلا يكون رد فعلك قاسيا ،بل تكتفي بأن لا تطعهما،ومع هذا تظل تعاملهما بالرفق واللين وبالحسنى .
الوالدان في أعلى الرتب
وما أوصانا به رسولنا الكريم بأحاديثه النبوية الشريفة لا يقل سموا ورفعة فقد وضع الأم والأب في أعلى الرتب حتى انه نهى أن تسبق يد المرء يد أمه أو أبيه إلى لقمة طعام يشاركهما إياه . ولكن للأسف الطاعة للوالدين في زمننا تختلف تماما لدى هذا الجيل عما كانت في ذلك الزمان.والسبب إن الدنيا في عقود قليلة شهدت تغيرا مهولا وخاصة في مجتمعنا الذي نزلت به محن تتزلزل لها الجبال ويشيب فيها الصبيان ، فقد كانت التربية في جيلنا مصدرها الأب والأم والمدرسة وكل هؤلاء يحثون على التحلي بقيم الدين وقدسية الوالدين وطاعتهما. أما الآن فقد تعددت منابع التربية والمؤثرات في بلورة مفاهيم الأبناء وأخلاقهم وسلوكهم ، لما تعرضوا له من ضغوطات واضطرابات اجتماعية ونفسية كما لا ننسى التكنولوجيا الحديثة مثل الستلايت والكومبيوتر والانترنت و الموبايل التي كان لها تأثيرها السلبي إلى جانب تأثيرها الايجابي على عقولهم وأفكارهم ، إضافة إلى المدرسة وأصحاب السوء والشارع والمقهى وكل هذه المؤثرات تعد رافدا من روافد التربية التي لها التأثير الكبير في توجهات الأبناء ، تقودهم أحيانا إلى ما لا يتقبله الوالدان من تصرفات وما لا يرتضيه الشرع والدين من عادات وأخلاق وقد تفضي بهم هذه المؤثرات إلى التمرد على واقعهم وعصيان الوالدين .
الحظ يلعب دوره
كما إن لكل زمان ثقافته وعاداته ومفاهيمه ، وكلما مر دهر جاء جيل جديد ازداد مع الأسف ضعف ارتباطه بالقيم الأصيلة ،وما علينا نحن أولياء الأمور سوى تقبل ما يمكن تقبله منهم ومعالجة السيئ فيهم بالعقل والحكمة والصبر وإصلاح ما يمكن إصلاحه .
ناجي عباس 47 سنة صاحب أسواق غذائية علق قائلا : لا تستغربوا ممن يقول (كلمن وحظه ) فهذا كلام صحيح ،الحظ والقسمة والنصيب ،يتدخلون في جعل هذا الابن بارا وذاك لا . أسباب غير معروفة تسهم أحيانا في أن ينشأ الابن مطيعا بارا لوالديه أو على العكس ، مشاكسا متمردا ، لا يقيم وزنا لمكانة والديه لا مباليا ،واضرب لكم مثلا  لدي ولدان في مرحلة الدراسة الإعدادية ، نشآ في بيت واحد وأسرة واحدة ونهلا من تربية واحدة ودرسا في نفس المدرسة احدهما ناجح في دراسته قويم الأخلاق ، يتصرف بمسؤولية ويحترم أمه ويسمع كلامي ويساعدني في العمل بالمتجر .والثاني  غليظ الطبع مبذر يستنزف ما نجنيه على الملذات وشراء الملابس وموديلات الموبايلات الحديثة ،غير مطيع يسخر من نصائحي ويفعل ما يحلو له ، يكره الدراسة وينجح بصعوبة ،ادفعه دفعا لمساعدتي، يمضي الليل منزويا يتحدث في الموبايل مع الفتيات . فبماذا تفسرون هذا التناقض بين الولدين سوى الحظ والقسمة والنصيب .؟ أم إنني غلطان .؟  
البنات أكثـر طاعة
فيما أكدت سوسن عثمان61 سنة ربة بيت والده لثلاثة أولاد وأربع بنات بالقول  :عانيت كثيرا في تربية الذكور، حتى صارت عندي قناعة مفادها إن من يربي الولد كمن يربي ضبعا ما أن يكبر حتى يتفرعن وأول تمرده يكون على الوالدين ،ومطالب الولد كثيرة ولا تنتهي حتى بعدما يتزوج ويخرج من البيت تظل عينه على ما عندنا من مال وحاجيات ولا يعرف أهله إلا حين يزري به الدهر . أما البنات (يا عيني عليهن ) فهن مثل حمامات البيت هادئات مسالمات (حنينات) إذا مرضت مرضن قبلي وصببن كل اهتمامهن على رعاية المنزل وأبيهن وإخوتهن وطلباتهن قليلة ويقنعن بالقليل ولا ينسين أهلهن حتى بعد أن يتزوجن ويذهبن إلى بيت الزوج، فهن يتفقدننا من بعيد ويتابعن أخبارنا. ويزرننا بين الحين والآخر وخاصة بالأعياد والمناسبات،يأتين محملات بالهدايا وما أقوله من كلام ورأي ، نابع من صميم تجربتي ،وما اسمعه وأشاهده على العموم ومن المؤكد أن هناك من الأولاد من برت قلوبهم ، حريصون على طاعة الوالدين وإذا ما تزوجوا وابتعدوا فلا ينسون تفقدهم والوقوف إلى جانبهم في حالة مرضهما وتلبية احتياجاتهما، والاهتمام بأخواتهم حتى بعد زواجهن والتدخل في حل مشاكلهن ومساعدتهن ماديا إذا كن ضعيفات الحال  .
والدتي والبر الضائع
محمد عيسى 34 سنة كاسب أشار في حديثه قائلاً: لا يجب أن نصدر الأحكام الجاهزة مسبقا ،ونردد ما هو متفق عليه ونسمعه كردة فعل كلما ذكر عقوق الأبناء لوالديهم، ويكون الأبناء في مرمى الهدف دائما وفي كل الأحوال ، وهم يدانون حتى لو كانوا أبرياء ولنحكّم عقولنا وضمائرنا ونتناول هذا الموضوع بشيء من الواقعية والصراحة . فمن الإنصاف أن لا يقع اللوم دائما على الأبناء واتهامهم بعقوق الوالدين دون معرفة السبب وراء ذلك  .وان كان عدم برهما غير مستحب ومكروه ولكن الحياة حافلة بالحكايات عن أم أو أب أو كليهما وقيامهما بتدمير حياة أبنائهما فحصدا العقوق والإهمال نتيجة ما زرعا من شر .نحن نسمع أحيانا بأن فلانا ترك أمه أو أباه في ملجأ العجزة ، أو أسلمهما للتشرد أو انه لم يعد يزرهما . وما أن نسمع مثل هذه القصص حتى نتحسر ونتألم ونغضب نشرع بصب اللعنات على الابن ولا نبحث عن السبب ،والمثل يقول اسألوا القتيل لم قتل قبل أن تسألوا القاتل. ففي بعض الأحيان يلعب الأب أو الأم  دورا قاسيا في حياة الأبناء، كأن يتزوج الأب ويتخلى عن أسرته ولا يواصلها ويتركها بلا معيل أو تتزوج الأم بعد ترملها وتترك أولادها عند الأهل يسومونهم الذل والعذاب .
الزواج مرة ثانية
ويذكر محمد عيسى أحيانا يكون الوالدان السبب في انحراف وضياع اولادهم، أما أنا فان والدتي كانت سببا في تعاستي وتعاسة إخوتي فقد توفي أبي وترك لنا ما يكفينا للاستمرار بالعيش ،ولكنها تبعت شهوتها وتركتنا صغارا  لدى بيت جدي عائلة والدي يسوموننا أعمامنا وعماتنا أنواع العذاب ويصبون على رؤوسنا  سخطهم على والدتي . ولا اعتراض على مسالة زواجها ولكن أن تتزوج بمن يتكفل برعايتها ورعايتنا ولا تبتعد عنا وتفرط بنا أبدا. ومع هذا فالوالدان أوصى بهما الله ورسوله وأكدا على معاملتهما بالحسنى مهما أساءوا . وعلى الوالدين أن يحسنوا لأبنائهم كي لا يكون نصيبهم العقوق . وان تحتم على الأبناء مهما بدر من الوالدين رعايتهما خاصة عندما يبلغا سن الشيخوخة ولكن للأسف هناك من الأبناء من لا يتحمل إساءتهما فيرد لهما بالمثل وهذا التصرف غير صحيح ومرفوض .
أبناء طبعهم الجحود
بينما علق حسين ناصر70 سنة متقاعد : عقوق الأبناء  قد لا يكون بسبب سوء معاملتهم السيئة والتقصير تجاههم، بل لطبع متأصل فيهم . ففي بعض الحالات مهما تتفانى وتفعل المستحيل من اجلهم وتهلك نفسك في تربيتهم ، إلا أنهم حين يكبرون يعاملونك كما لو كنت عدوهم اللدود وفي حالات أخرى ، تجد الأب ظالما لأبنائه خشن الطبع عصبي المزاج يعاملهم بعنف ويضربهم بلا سبب ويقصر عليهم في المأكل والملبس، ويلقى بر أبنائه وعطفهم ورعايتهم . وأحيانا ينحاز الابن أو البنت إلى احد الوالدين ويعق الآخر وهذا أمر لم استطع فهمه رغم بلوغي هذه السن المتقدمة . ولكن عموما الأسرة المتماسكة والتربية الجيدة تنشئ أبناء صالحين .لذا اذا ما أراد المرء أن يجازى أحسن الجزاء فليحسن لأبنائه وليعلمهم الرحمة والمحبة، محبة أنفسهم وأسرتهم والآخرين، ويكون لهم قدوة في فعل الخير ليتعلموا منه أحسن الدروس والعبر.
ادّخر لسنوات شيخوختك
الباحث الاجتماعي مالك عبد الغني يبين قائلاً : انه في هذا الزمن الصعب لا احد يضمن لك أحدا والأبناء هم أبناء الحياة أولا قبل أن يكونوا أبناءك.؟. فلا تثقل عليهم بالتزامات قد يكونون غير قادرين على الإيفاء بها ، وكل ما عليك أن تحسن معاملتهم وتفي بواجباتك تجاههم ليحسنوا إليك بالتصرف والاحترام والطاعة . أما مسالة الحاجة إليهم فلا تعلق عليها كثيرا من الآمال. وعليك أن تضمن أنت بنفسك حياتك وتدخر ما يكفي لحاضرك ولشيخوختك ، ولتكن سعادتك في أن تراهم ناجحين في حياتهم مرتاحين سعداء .ولا أظن أن عليهم دينا لوالديهم يتحتم عليهم تسديده .فنحن خلّفونا أهلنا وربونا وتعبوا علينا وبالمثل فعلنا مع أبنائنا وهم سيفعلون مع أبنائهم كذلك .وهكذا فلا دائن ولا مدان ،وهذه سنة الحياة منذ الأزل وتظل إلى الأبد .وأنا شخصيا لدي ولد وثلاث بنات ، ربيتهم وتعبت عليهم حتى تخرجوا من المدارس وتوظفوا وتزوجوا وبين الحين والآخر يلجأون إلي لمساعدتهم بالمال فلا أتردد مادمت اعمل واكسب ولا أفكر بالتقاعد والتقاعس والاعتماد عليهم في إعالتي وإعالة أمهم .لا كما يفعل الكثيرون بالاعتماد على الأبناء والاتكال عليهم وتحميلهم عبئا قد لا يطيقونه وحين يتنصلون عن مسؤولية التكفل بالأب أو الأم أو كليهما يبدأ التذمر والشكوى واتهامهم بالعقوق ومعصية الله وغيرها مما نسمعه وشائع بين الناس .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

تربوي يشيد بامتحان "البكالوريا" ويؤكد: الخطا بطرق وضع الأسئلة

إطلاق سراح "داعشيين" من قبل قسد يوتر الأجواء الأمنية على الحدود العراقية

(المدى) تنشر مخرجات جلسة مجلس الوزراء

الحسم: أغلب الكتل السنية طالبت بتعديل فقرات قانون العفو العام

أسعار صرف الدولار في العراق تلامس الـ150 ألفاً

ملحق منارات

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية
تحقيقات

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية

 اياد عطية الخالدي تمتد الحدود السعودية العراقية على مسافة 814 كم، غالبيتها مناطق صحراوية منبسطة، لكنها في الواقع مثلت، ولم تزل، مصدر قلق كبيراً للبلدين، فلطالما انعكس واقعها بشكل مباشر على الأمن والاستقرار...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram