قبل أن أحاول التعليق على رغبة السيد نوري المالكي بتشكيل حكومة أغلبية، (ولا ادري كيف يفترض انها أغلبية برغم انه أول رئيس حكومة بعد صدام حسين يبقى بمجلس وزراء موحش ومعزول)، أريد أن انقل لكم جوانب عتب سمعته من شباب ديالى والرمادي وتكريت والموصل الذين التقيتهم في معرض المدى للكتاب.
شباب ديالى الذين صادفتهم قرب مدخل المعرض، كانوا من أصدقاء الفيسبوك ونتشارك ونختلف في قناعات كثيرة كما هو الحال مع شباب الناصرية وكربلاء. قالوا لي أن الصحافة تقوم بقصد ومن دون قصد، بتضخيم ما تعيشه محافظتهم من مشاكل. يقولون: نحن اقل مشاكل من بغداد نفسها، وبرغم العنف هناك حياة ثقافية وفنية، وسهرات بل حتى متاجر المشروبات الروحية لم تغلق بتفاهم معقول ضمنه المحافظ والحزب الإسلامي نفسه مع باقي الأطراف.
شباب الرمادي حمّلوني عتباً شديداً على الصحافة أيضا. يقولون: بالله عليك كيف تصدق أننا سنمنع عراقياً من دخول الرمادي لمجرد حمله اسما شيعيا، مثل عبد الزهراء؟ احدهم قال لي أن بيته يجاور جامعا اسمه "جامع فاطمة الزهراء" وان الصحافة التي تروج لمثل هذه الأنباء لا تكلف نفسها تسليط الضوء على نقاط كثيرة مشتركة بين المذاهب في الأنبار.
شباب تكريت لديهم شكوى مماثلة، أما الموصليون فحدثوني عن حكايات تعكس قسوة الظروف عليهم، وحمّلوا الصحافة كذلك مسؤولية إغفال مآس كثيرة تصعب حياتهم. يقول أستاذ فاضل: خذ على سبيل المثال أن السماد الكيمياوي ممنوع منذ سنوات أو تفرض قيود كبيرة على تداوله في السوق، وذلك لأن الجماعات العنفية استخدمته في صناعة المتفجرات. والنتيجة أن الزراعة تضررت حد التعطل شبه التام، وصار نحو ٤ مليون نسمة هناك يسدون حاجتهم من المحافظات المجاورة لأن مزارعي نينوى توقفوا عن العمل بعد أن أصبحت الأسمدة مكلفة جداً.
مجمل اللقاءات مع شباب هذه المحافظات تؤكد لي أننا كصحفيين لم نتول تغطيتها بشكل جيد، وان قدراً كبيراً من سوء الفهم يحيط بظروفها ويصعب تواصلها مع باقي أجزاء البلاد.
لكن المسؤولية الأكبر يتحملها الاخوة الصحفيون في تلك المحافظات، وخاصة في الموصل بالكثافة السكانية والتنوع والتاريخ والظروف الصعبة. اختصر كل هذا بسؤال طرحته في مقال قبل أعوام: أين الموصل؟
وقد كان بودي أن اربط حديث الشباب ببعض الكتب التي اقتنيتها أو حصلت عليها كهدايا في المعرض، وخاصة الهدية الدسمة بعناوينها وكميتها التي تلطف بها على كاتب السطور، الناشر الفاضل عبد الحليم السامرائي (دار الحكمة). لكن اللغة المضللة والعدائية التي استخدمها المالكي مساء الجمعة في التبشير بحكومة الأغلبية، قطع حديث الورّاقين والرحالة والمؤرخين الذي كنت أنوي مواصلته.
الحاج يعلن لنا انه "قضي الأمر" وان حكومة الأغلبية مقبلة، لتصحيح الأمور. ويبشرنا بأن كل المشاكل ستجري حلحلتها لأن الشراكة "تعطل الدولة". ولا أدري عن أي شراكة يتحدث؟ ولا أدري لماذا ظل منذ ٢٠١٠ يرفض برنامج الإصلاح الموقع مع الكتل الكبرى في أربيل.
وما المانع من حكومة أغلبية يا ترى لو قمنا ببناء ثقة دستورية بمؤسسات الدولة، وهو أمر يعرقله المالكي بتفرده وبتشاغله بوفد كوري عن المجيء للبرلمان؟ وبأي وجه يأتي للبرلمان؟
إن الأمور صارت أوضح من أن يجري تغليفها بحماسات مضللة كقول المالكي من كربلاء مساء الجمعة: سنشكل حكومة أغلبية "تسكت الأصوات المعارضة والمثيرة للفتن"! ولعمري فهل هناك فتنة اكبر من رفضك للحوار يا رئيس مجلس الوزراء؟
إن طريق الإصلاح واضح مرسوم في أربيل وبحضور كل الشركاء. ويمكن لي كمراقب أن أقبل بحكومة أغلبية شرط حصول الجيش على شرعية من البرلمان، وإنهاء تعيين الموالين للمالكي بالوكالة في نحو ٢٠٠ منصب تنفيذي حساس. وشرط أن نصون حق التشريع والرقابة للبرلمان كي يتمكن من استجواب "حكومة الأغلبية" الموعودة. وشرط أن يجري تحرير القضاء وانجاز قانون الاتحادية وحسم الجدل بشأن الهيئات المستقلة وإنقاذ شبكة الإعلام التي تتلاعب حتى بنقل جلسات النواب. عند هذه وتلك فقط سنشرع ببناء الثقة بمؤسسة الدولة، والشاطر يشكل حكومة ويترك الباقين بالمعارضة، قادرين على الرقابة والتشريع. أما الانفراد بحكومة من طرف واحد في مثل هذه الظروف والاختلال العاطفي لرأس السلطة و"لحظاته الهليكوبترية" قرب طوزخورماتو وحديثة، فهو أمر يساوي استكمال ابتلاع الدولة من قبل فريق سياسي وعسكري تنقصه الحكمة حول السلطان.
أخيراً، هل أحسنت اختيار فريقك هذا كي ترسم لنا وعداً بطاقم وزاري كفوء بمجرد أن "نبايعك" زعيماً لأغلبية غير قائمة أساساً؟ أم أن علاوي أو بارزاني فرضوا عليك حتى فريقك الخاص هذا والذي يزيد الأمر سوءاً من حادثة الهاشمي حتى "زفة مشعان"؟ ألا يزال في وسعك أن تجيب يا حاج؟
جميع التعليقات 3
أحمد هاشم الحسيني
لا بأس وأنت تريد أن تفرض وجهة نظرك وعسى أن تكون نيتك خيرا ولكن سعيد اللافي الناطق باسم المتظاهرين هو من قال : علام نسمح بدخول عبد الزهرة والأمر كناية واضحة وربما أردت أن تتمايز عنه بكلمة عبد الزهراء وأنتهز هذه المناسبة لأوجه ندائي لكل شيعي وأنا شيعي بألا
المدقق
ومن انت ايها العنجوكي لكي تقبل او ترفض حكومة الاغلبية ؟؟ ام ان اسيادك قد زادوا من الدولارات لكي تقوم بهذا الدور المشبوه ؟؟؟؟؟ ان نظام الاغلبية معمول به في كل الدول الديمقراطية ولا يحق لاي شخص الاعتراض عليه لانه يمثل رغبة الشعب . اما ان ترفض انت او غيرك فل
ابو شبر الناصري
السلام عليكم....يبدو ان الاخ سرمد الطائي يعيش حالة من عقدة العداوة تجاه المالكي لذا تجده لا ينضر الا الى السلب منه..مع ان مساحة الايجاب في اداء المالكي هو الغالب..وكما يقول الشاعر (عين الرضا عن كل عيب كليلة كما ان عين السخط تبدي المساويا) فالغالب عند الاخ