يقال إن الأمثال تضرب ولا تقاس ، لكنها حقيقية غالبا حين توضع في حيز التطبيق كما هو الحال مع المثل العراقي (سبع صنايع ..والبخت ضايع ) الذي ينطبق على الفنان حين يخوض كل أنواع الفنون ليكون فنانا شاملا فيجد نفسه أخيرا وقد ضيع موهبته الأصلية وضاع معها بخته بعد أن شتته في عدة صنائع ...وينطبق المثل أيضا على الكاتب حين يضع قلمه أو (لابتوبه ) –تماشيا مع عصر التكنولوجيا –في خدمة صنائع الكتابة المختلفة، فتراه شاعرا وقاصا وروائيا وموظفا إداريا وضليعا في السياسة والإعلام وما إلى ذلك، وبالتالي لا تراه أصلا لأن نجمه يخبو غالبا بعد أن يضيع بخته بين تلك الصنائع ..وهناك الطبيب الذي تقرأ في لافتته شفاء لكل الأمراض الباطنية والجلدية وأمراض الأطفال والشيخوخة والسكري والمفاصل .وحين تدخل إلى عيادته لا تجد فيها زبائن بعدد زبائن الطبيب المختص لأن الطبيب (بتاع كله ) الذي يشفي جميع الأمراض لا وجود له حاليا وربما يوجد مستقبلا مع تطور الطب، لكن التخصص مطلوب أيضا لضمان إبداع الطبيب .أما التنوع فمصيره ضياع البخت حتما ...
بعض السياسيين لا يؤمنون بهذا المثل ،فتراهم يؤدون عدة مهام أو مسؤوليات في ذات الوقت لإثبات قدرتهم الفذة على القيادة وكأن القيادة الحقيقية هي الاستحواذ على ألقاب متعددة، كأن يكون الفرد رئيس وزراء وقائدا عاما للقوات المسلحة ومسؤولا عن مناصب أمنية مهمة، كالدفاع والداخلية ورئيسا لحزب معروف وذا قاعدة كبيرة ومشرفا عاما على بعض الهيئات المستقلة فضلا عن مواهب ومسؤوليات أخرى ربما يمارسها في الخفاء لا العلن خوفا من عيون الحاقدين أو الحاسدين ...وهنا يصبح هذا الفرد (بتاع كله ) في عالم السياسة ،فيكون مهددا بضياع بخته في مزاولة الصنائع السبع والفشل في إتقانها كلها، وبالتالي ربما سيكون مضطرا إلى التركيز في واحدة منها وترك الأخرى لمن يستحقها لكثرة ما يوجد من رجال قادرين على إدارة تلك المسؤوليات كلاً حسب اختصاصه ..ولكن ، هل يملك مثل هذا الفرد نكران الذات الذي يؤهله للتنازل عن مهامه المتعددة أم أن القضية تتعدى كونها صفة نكران الذات التي ينبغي توفرها في رجال السياسة قبل غيرهم إذا كان هدفهم الأسمى هو خدمة شعوبهم وإنقاذها وبناء أوطانهم بعزم كما تعلن عن ذلك دعاياتهم الانتخابية ..هي واحدة من اثنتين إذن : إما حرص رئيس الوزراء على الوطن وأبنائه إلى درجة تأديته لكل تلك المهام بنفسه خوفا من فشل الآخرين فيها أو لمعاناة المجتمع السياسي العراقي من شح ( الرجال ..الرجال ) أي الرجال الحقيقيين بأفعالهم وهي مشكلة كبيرة لن تحلها كثرة الكتل السياسية ودعاياتها الانتخابية طالما لا يوجد لدينا سوى رجل واحد يحاول بحرص شديد أن يظل في منصة الحكم ليمارس مسؤولياته المتعددة حتى لو فشل فيها كلها فيثبت للعالم وجهة نظره (المخلصة ) في الاستحواذ على أكبر عدد من المهام لدرء الفتنة وتجنيب الكتل السياسية التناحر من أجل تلك المناصب والتفرغ لنشر الغسيل القذر والتصفيات الجسدية أملا في الوصول إلى مجالس المحافظات أو قبة البرلمان دون المساس بمسؤوليات الرجل الواحد الذي أثبت لنا أن الأمثال تضرب ولا تقاس وأن بخته مازال رائعا طالما يمارس مهامه بثقة من يلتصق بكرسي القيادة لأن مجتمعه يعاني من شحة (الرجال ..الرجال )...
سياسيّون (بتاع كله)...
[post-views]
نشر في: 8 إبريل, 2013: 09:01 م