TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > سياسيّون (بتاع كله)...

سياسيّون (بتاع كله)...

نشر في: 8 إبريل, 2013: 09:01 م

يقال إن الأمثال تضرب ولا تقاس ، لكنها حقيقية غالبا حين توضع في حيز التطبيق كما هو الحال مع المثل العراقي (سبع صنايع ..والبخت ضايع ) الذي ينطبق على الفنان حين يخوض كل أنواع الفنون ليكون فنانا شاملا فيجد نفسه أخيرا وقد ضيع موهبته الأصلية وضاع معها بخته بعد أن شتته في عدة صنائع ...وينطبق المثل أيضا على الكاتب حين يضع قلمه أو (لابتوبه ) –تماشيا مع عصر التكنولوجيا –في خدمة صنائع الكتابة المختلفة، فتراه شاعرا وقاصا وروائيا وموظفا إداريا وضليعا في السياسة والإعلام وما إلى ذلك، وبالتالي لا تراه أصلا لأن نجمه يخبو غالبا بعد أن يضيع بخته بين تلك الصنائع ..وهناك الطبيب الذي تقرأ في لافتته شفاء لكل الأمراض الباطنية والجلدية وأمراض الأطفال والشيخوخة والسكري والمفاصل .وحين تدخل إلى عيادته لا تجد فيها زبائن بعدد زبائن الطبيب المختص لأن الطبيب (بتاع كله ) الذي يشفي جميع الأمراض لا وجود له حاليا وربما يوجد مستقبلا مع تطور الطب،  لكن التخصص مطلوب أيضا لضمان إبداع الطبيب .أما التنوع فمصيره ضياع البخت حتما ...
بعض السياسيين لا يؤمنون بهذا المثل ،فتراهم يؤدون عدة مهام أو مسؤوليات في ذات الوقت لإثبات قدرتهم الفذة على القيادة وكأن القيادة الحقيقية هي الاستحواذ على ألقاب متعددة، كأن يكون الفرد رئيس وزراء وقائدا عاما للقوات المسلحة ومسؤولا عن مناصب أمنية مهمة، كالدفاع والداخلية ورئيسا لحزب معروف وذا قاعدة كبيرة ومشرفا عاما على بعض الهيئات المستقلة فضلا عن مواهب ومسؤوليات أخرى ربما يمارسها في الخفاء لا العلن خوفا من عيون الحاقدين أو الحاسدين ...وهنا يصبح هذا الفرد (بتاع كله ) في عالم السياسة ،فيكون مهددا بضياع بخته في مزاولة الصنائع السبع والفشل في إتقانها كلها، وبالتالي ربما سيكون مضطرا إلى التركيز في واحدة منها وترك الأخرى لمن يستحقها لكثرة ما يوجد من رجال قادرين على إدارة تلك المسؤوليات كلاً حسب اختصاصه ..ولكن ، هل يملك مثل هذا الفرد نكران الذات الذي يؤهله للتنازل عن مهامه المتعددة أم أن القضية تتعدى كونها صفة نكران الذات التي ينبغي توفرها في رجال السياسة قبل غيرهم إذا كان هدفهم الأسمى هو خدمة شعوبهم وإنقاذها وبناء أوطانهم بعزم كما تعلن عن ذلك دعاياتهم الانتخابية ..هي واحدة من اثنتين إذن : إما حرص رئيس الوزراء على الوطن وأبنائه إلى درجة تأديته لكل تلك المهام بنفسه خوفا من فشل الآخرين فيها أو لمعاناة المجتمع السياسي العراقي من شح ( الرجال ..الرجال ) أي الرجال الحقيقيين بأفعالهم وهي مشكلة كبيرة لن تحلها كثرة الكتل السياسية ودعاياتها الانتخابية طالما لا يوجد لدينا سوى رجل واحد يحاول بحرص شديد أن يظل في منصة الحكم ليمارس مسؤولياته المتعددة حتى لو فشل فيها كلها فيثبت للعالم وجهة نظره (المخلصة ) في الاستحواذ على أكبر عدد من المهام لدرء الفتنة وتجنيب الكتل السياسية التناحر من أجل تلك المناصب والتفرغ لنشر الغسيل القذر والتصفيات الجسدية أملا في الوصول إلى مجالس المحافظات أو قبة البرلمان دون المساس بمسؤوليات الرجل الواحد الذي أثبت لنا أن الأمثال تضرب ولا تقاس وأن بخته مازال رائعا طالما يمارس مهامه بثقة من يلتصق بكرسي القيادة لأن مجتمعه يعاني من شحة (الرجال ..الرجال )...

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: سياسيو الغرف المغلقة

العمود الثامن: ماذا يريدون؟

السردية النيوليبرالية للحكم في العراق

العمود الثامن: عاد نجم الجبوري .. استبعد نجم الجبوري !!

العراق إلى أين ؟؟

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

 علي حسين كان العراقي عصمت كتاني وهو يقف وسط قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة، يشعرك بأنك ترى شيئا من تاريخ وخصائص العراق.. كان رجل الآفاق في الدبلوماسية وفي السياسة، حارساً لمصالح البلاد، وحين...
علي حسين

قناطر: بغداد؛ اشراقةُ كلِّ دجلةٍ وشمس

طالب عبد العزيز ما الذي نريده في بغداد؟ وما الذي نكرهه فيها؟ نحن القادمين اليها من الجنوب، لا نشبه أهلها إنما نشبه العرب المغرمين بها، لأنَّ بغداد لا تُكره، إذْ كلُّ ما فيها جميل...
طالب عبد العزيز

صوت العراق الخافت… أزمة دبلوماسية أم أزمة دولة؟

حسن الجنابي حصل انحسار وضعف في مؤسسات الدولة العراقية منذ التسعينات. وانكمشت مكانة العراق الدولية وتراجعت قدراته الاقتصادية والسياسية والعسكرية، وانتهى الأمر بالاحتلال العسكري. اندفعت دول الإقليم لملء الفراغ في كواليس السياسة الدولية في...
حسن الجنابي

إدارة الاقتصاد العراقي: الحاجة الملحة لحكومة اقتصادية متخصصة

د. سهام يوسف بعد مصادقة المحكمة الأتحادية على نتائج الانتخابات الأخيرة، يقف العراق على أعتاب تشكيل حكومة جديدة. هذه الحكومة ستكون اختبارًا حقيقيًا لإصلاح الاقتصاد العراقي المتعثر، حيث تتوقف عليه قدرة البلاد على مواجهة...
سهام يوسف علي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram