TOP

جريدة المدى > عام > المشهد الثقافي فـي العراق بعد عام 2003

المشهد الثقافي فـي العراق بعد عام 2003

نشر في: 8 إبريل, 2013: 09:01 م

كنا نأمل بعد التغيير في عام 2003 أن يكون المشهد الثقافي في العراق أفضل حالاً من ذي قبل لاسيما أن أجواء الحرية والانفتاح الإعلامي صارت بلا حدود ما شجعنا على هذا الأمل . لكن الذي حصل أننا بدلنا عاقلاً بمجنون كما يقال! فبعد التحجيم والتضييق على الحريات،

كنا نأمل بعد التغيير في عام 2003 أن يكون المشهد الثقافي في العراق أفضل حالاً من ذي قبل لاسيما أن أجواء الحرية والانفتاح الإعلامي صارت بلا حدود ما شجعنا على هذا الأمل . لكن الذي حصل أننا بدلنا عاقلاً بمجنون كما يقال! فبعد التحجيم والتضييق على الحريات، وانعدام الرأي الآخر ، أصبحنا نعيش انفلاتا لا يرضي الجميع ، لكنه من جهة أخرى أزعج الكثير من القوى الدينية المتزمتة فراحت تلعب خلف الستار من أجل إجهاض تلك الحرية المنفلتة وتدجينها، وقدمت بدلا عنها  افكاراً سوداوية مليئة بالحس الطائفي والرجعي والمحاصصية التي اصطف معها الكثير من رجال السياسة المحسوبين على الثقافة ذاتها! ما زاد من سوء الوضع الثقافي وجعله أسيراً لمعطيات أخرى.

المشهد الثقافي لم يعش ما متوقع له بعد التغيير بل ظل أسيراً لمزاجية المؤسسة الثقافية الرسمية التي تعاملت بطريقة فوقية مع المثقفين والأدباء والفنانين والصحفيين ، ما خلق فجوة كبيرة بينهما .

ولغرض معاينة المشهد الثقافي في العراق بعد 2003 ولمناسبة الذكرى العاشرة للتغيير التقينا بمجموعة من الأدباء والمثقفين للتحدث عن الوضع الثقافي خلال هذه السنوات وما التغييرات التي حدثت فيه سلباً وإيجاباً...

مأزق سياسي وأخلاقي

 

الناقد فاضل ثامر رئيس اتحاد الأدباء والكتّاب في العراق قال :ـ

 

ينطوي  المشهد الثقافي  بعد 9/4/ 2003 على مفارقة  كبيرة ، ففي  الوقت الذي مثل هذا  التاريخ انطلاق  الحرية  الفكرية  وحرية  التعبير  للأدباء  والفنانين  والمثقفين  والإعلاميين ، وأنهى  الى  الأبد النظام الشمولي  الدكتاتوري  لنسق الحزب  الواحد ، إلا أن هذا الوضع   من جهة  ثانية قد وُلد  داخل  مأزق سياسي  وأخلاقي  واجتماعي كبير يتمثل  في أن عملية  التغيير  وإسقاط  نظام  الاستبداد  الفاشي  قد تحققت بإرادة  خارجية  وليس  الإرادة الداخلية  للشعب العراقي  وقواه السياسية . حيث  وجد المثقف العراقي  نفسه أمام  هامش  من الحرية  لم يعهده سابقاً  لكنه  أحس  بالأسى  والإحباط  وأحيانا بالعار لأنه  وجد  قوات الاحتلال  الأجنبي  تحتل كل شبر  من وطنه . وقد  شكل  التناقض  هذا  أزمة  أخلاقية وروحية وإيديولوجية لدى  المثقف  العراقي  مازالت  آثارها  ماثلة لحد اليوم .

ذلك أن  المثقف العراقي  قد آثر  اللجوء  الى  لون من المقاومة  الثقافية  والسياسية  لمواجهة الاحتلال  والابتعاد  عن السقوط  في  شراك أجندته . وبدأ يناضل  مع قوى  الشعب الواعية  للخروج  بالبلاد  من شرك الاحتلال  وإرساء  تقاليد  تجربة ديمقراطية  ومدنية  جديدة  خارج  تأثير  الاحتلال . إلا أن  هذه المحاولة  اصطدمت  بالقوى  العشوائية  التي  أطلقها  التغيير ومنها  سيادة  عوامل  العنف والتشظي  والانهيار  داخل المجتمع العراقي . واتسمت الحياة  السياسية  بالركون الى لون  من المحاصصة السياسية  المقيتة ،  والى خلق كانتونات  سياسية  متصارعة  ، وتعزيز  الكثير من الظواهر  الطائفية  والمذهبية  والقومية  التي  تضعف من الوحدة  الوطنية  وتعزيز  الهوية  الموحدة  للشعب العراقي .  فراحت  تظهر  مجدداً بعض  مظاهر  تهديد حرية الفكر  والتعبير التي  تبنتها  قوى  سياسية ودينية  وأحيانا  قوى  رسمية  لاسيما  في المحافظات  ضد الحريات  الفكرية  وحرية التعبير  ومبادئ حقوق الإنسان . بدلاً  من نظام  رقابة إيديولوجي  مركزي  كما في النظام السابق وهنا  نكتشف وجود العديد من مراكز

التهديد  لحرية  الفكر في المجتمع  ما أثر  على  قدرات  المبدع  العراقي على  الانفتاح والتحرك .

وقد تمثل ذلك على سبيل  المثال في الهجمات   المعلنة والمبطنة ضد  الفنون المختلفة  مثل الموسيقى  والرسم والمسرح والسينما التي  عدّها بعضهم  أنها تتنافى  مع ثوابت الدين والعرف .

لكننا مع كل ذلك، ومع ذلك  التأطير السوسيوثقافي نعتقد أن الحركة  الثقافية  في العراق  ربحت  هامشاً  كبيراً  للتحرك  والعمل  والانفتاح  بحرية  أكبر  وبديناميكية، وحققت إنجازات كبيرة في مجالات  الإبداع الأدبي  في الشعر والقصة والرواية  والدراسات الاجتماعية  والسياسية  والفكرية . كما  وجدت  الفنون المختلفة فضاءً مفتوحاً  للتحرك . لكني  أعتقد أن  الثقافة  العراقية لم تستثمر بشكل  كامل  هامش  الحرية هذا وبقيت  مشدودة  لتابوهات  وممنوعات وأجهزة  رقابية  افتراضية  أو حقيقية  أثرت  الى درجة  كبيرة  على فاعليتها  وانجازاتها  الإبداعية  المتنوعة . ومع ذلك  إن التجربة  الثقافية  خلال السنوات  العشر  الماضية  تظل  بالتأكيد  أنقى وأصفى  بدرجات  كبيرة  عما كانت  عليه في  العهد  الدكتاتوري  المقبور . على الرغم  من ان هذه  الحركة  ظلت  تفتقر  الى الدعم  المطلوب  من لدن مؤسسات  الدولة  المختلفة  التي لم  تفتح فعلياً الملف  الثقافي  إلا قليلاً . وانشغلت  بالملفات  السياسية  والأمنية  والاقتصادية  ، وأظهرت تخوفاً  وحذراً  وأحياناً  كراهية  للحركة  الثقافية ، التي كانت  ترى فيها  خصماً  عنيداً  لا يمكن  تدجينه  وإخضاعه لإرادة  المؤسسة السياسية . ولذا  تظل  الحاجة  ماسة  للاعتراف بمشروعية  الفعل الثقافي  وتنوعه  ولزوم  قيام  الدولة  بدعم المشروعات  الثقافية  كافة  والتخلي  عن الكراهية  ضد الثقافة  والسعي  من  جانب آخر  لتوفير  الضمانات  التي  تحمي  المثقف من كل  التهديدات  التي  تؤثر  على  إبداعه  وحضوره  وحريته . ولكي لا نبدو  مجرد سلبيين في  انتظار الآتي  بصورة  عفوية  نضع  المثقف العراقي  أمام  مسؤولياته  للدفاع عن حقوقه  ومكتسباته  وانتزاع  المزيد  من هذه الحقوق ، خاصة وأن  الدستور العراقي  تكفل  بهذه الحقوق  الدستورية  والشرعية . وعليه  أن ينتزع هذه الحقوق  والحريات  من  رجل السياسة  الذي  يرغب  في أن  يهيمن على  كل شيء،  وحتى الوسط الثقافي . ويضع المثقف العراقي  تحت خط  العوز والحاجة  الى  لون آخر  من مكرمات التسول  الثقافي ، الذي كان  يقدمها  النظام  الدكتاتوري  السابق لشراء  ضمائر المثقفين  وإلحاقهم بالآلة  الإيديولوجية   والسياسية  للحزب الواحد.

الإعصار المدوّي

الروائي أحمد خلف قال :-

لاشك أن أي تغيير موضوعي يخص الواقع بالذات ويقلب الكثير من الموازين سلبا أو إيجابا لا مفر منه من التأثير على الأدب أو عموم الثقافة الوطنية في تلك الرقعة من العالم. والذي حصل في 9/4/2003 كان إعصاراً مدوياً في الحياة اليومية العراقية. أمام هذه الرؤيا أين تقف الثقافة؟ وأين يقف الأدب؟ ثم ماذا يستطيع المبدع أن يفعله؟ وإذا فكرنا في ماهية هذه الأسئلة فأننا سوف نجدها مجموعة أسئلة تقليدية التي لامناص من طرحها. ولكن ما يثير الاطمئنان وعبر العصور الماضية تمكن المتابع الثقافي من وضع يده على حقيقة باهرة هي أن الثقافة في هذا البلد لديها مقدرة للانتعاش وتجاوز الذات حتى في أحلك الظروف العسيرة التي قد تصل الى درجة الغزو لبلدها.

وقد انتعشت في الآونة الأخيرة صفوف أدبية متعددة لعل من أبرزها الرواية العراقية الحديثة. فهذا النوع من الكتابة السردية استطاع أن يقيم قلاعا وأماكن لم يفكر بها الروائي من قبل. وسأضع أمامك الآن خارطة مصغرة للذي فعلته الرواية العراقية الجديدة فعلى سبيل المثال بدأت المؤسسات العراقية المعنية بالنشاط المدني والثقافي والفني تعلن عن مسابقات للرواية وتمنح جوائز بعضها كان سخيا جدا حتى انتشرت الظاهرة في عموم المحافظات العراقية. وراح المعنيون في هذا الشأن يحاولون كسب مودة الروائيين ونقاد أدب الرواية. واستكمالا لجزئيات هذه الخارطة المصغرة لصعود الرواية العراقية في هذه المرحلة بالذات أي مرحلة ما بعد الاحتلال، علينا أن نتذكر الجوائز العربية التي منحت الى الروائيين العراقيين وعلى مختلف الأجيال أن هذه النخبة بالذات إذا ما أردنا أن نتأملها قليلا سوف يخرج منها الباحث الأدبي بنتائج تؤكد وجهة نظرنا التي اشرنا إليها في الحديث حيث أن للواقع مقدرة في النفاذ الى الادب وان الأدب لن يظل مكتوف اليدين في حواره مع الواقع.   

صورة غائمة

قال  الناقد علي  الفواز  :ـ

يعكس التحول الثقافي  في العراق  ما بعد 2003 صورة  معقدة  وغائمة  للتحولات السياسية  والاجتماعية  والثقافية  والأجنبية  في العراق.  لأن  الثقافة  في جوهرها  هي تبديات  لكل هذا . ربما بسبب طبيعة  التحول  نتيجة  عامل  خارجي  للاحتلال  الأميركي  للعراق  بكل  ما يعنيه  الاحتلال  من تداعيات اجتماعية وسياسية  وثقافية  وعسكرية . وربما  بسبب طبيعة  المنظومة  السياسية  التي كانت  تسيطر على الواقع  العراقي   التي فرضت  مركزيتها  على كل شيء  بما فيها  الثقافة  ، وبالتالي إن انهيار  هذه المركزية العمومية  تسبب بانهيارات  كبرى  لها تداعيات  اجتماعية  ونفسية  على المثقفين العراقيين وعلى  طبيعة  المؤسسات الثقافية  والرسمية  والمدنية . لكن مقابل هذا  المشهد الغائم  هناك  مشهد  ثقافي يتشكل  مسكون بهاجس  الحرية،  وهاجس  البحث  عن الهوية  والوجود  والمعنى ، والذي  تماهى كثيراً  مع فكرة  انهيار المراكز  القديمة ، وباتجاه  خلق  فضاءات ثقافية  جديدة  تنمو  فيها  قيم الحوار والجدل  والأسئلة  ، التي  وجدت  الكثير من  مجالاتها  في كتابة  الرواية  بشكل  مميز  فضلاُ  عن  بروز  الشعراء والمسرحيين  والسينمائيين، الذين  يبحثون  عن وجود  مستقل  لكي  تتطور  الثقافة بعيدا عن أي  هيمنة للمؤسسة  الرسمية . خاصة  أن المؤسسة  الرسمية خلال العشر السنوات  الماضية  قد فشلت في أن  تصنع مشهدا  ثقافيا  عراقيا  يتعامل مع المرحلة  وحاجتها  الى رؤى  جديدة  وأفكار  جديدة  وعقل  نقدي  وعقل ثقافي جديد .  ولعل  من ابرز  تمظهرات التغيير هو نمو  صناعة الكتاب العراقي،   وظاهرة  الناشر العراقي  غير  الخاضع للهيمنة المركزية  التقليدية . وهذا ما جعل  الكتاب  العراقي سلعة  ثقافية  رائجة . وهو مفتوح  على أشكال  كتابية  جديدة  له قراء  داخل وخارج العراق.  فضلاً  عن أن ظاهرة  صناعته قد ارتبطت  أيضاً  بظاهرة  المعرض  أو السوق الكتابية  الكبرى  التي  وجد المثقف العراقي نفسه أمامها  ولأول مرة  لكي يكسر  تاريخ اقترابه وخوفه من الرقابة  القديمة  التي كانت  تنظر  الى سوق الكتاب  وكأنه سوق كسيحة.

تغيير شكلي

وقال الناطق باسم الاتحاد العام لأدباء العراق الشاعر إبراهيم الخياط :ـ

استبشر  المثقفون  خيراً  بعد التغيير  عام 2003  ولكن  الأمر  الذي حصل  هو  أن التغيير  فقد معناه الضمني . وبات  تغيير  تسميات  لاغير،  لاسيما في  الآلية  والروحية  في المؤسسات  الثقافية  الرسمية  . قد يكون ما قد سبق 2003  سواء  بالنسبة  للصحفي  أو الفنان  أو المثقف  عاش قمعية  الدولة ، ولكن بعد عام 2003  استطاع أن يقول  ويرسم  ويكتب ما يشاء،  لكن  امتلأت بالكيلوات من القطن في آذان  المسؤولين . التغيير هذا  صار  شكليا  وسطحيا  وهذا  ما لم يكن  في خلد المثقف  العراقي  .

هناك الاحتلال  وما تركه  من أذى  والإرهاب  ودمويته  والميليشيات  والملفات  الأمنية  والخدماتية  . ولكن  لا يمكن للعراق  أن يبني  البنى  التحتية  ما لم  يبنى  الإنسان الجديد ، والثقافة  معنية  بذلك . لكن  ماذا تقول  للذين  يعادون  الثقافة  والمثقف .

لوزارة الثقافة رسالتها  وهي لا تختلف  عن البلديات .  وكذلك  وزارة التجارة  التي تؤمن  البطاقة التموينية  والثقافة  تؤمن  مالاً للمهرجانات  ولا يعنيها  ما يقدم فيه ثقافة  وأدب  وفن .

المثقف  العراقي الآن بعد  عشر سنوات أوضح صورة  عنه انه  أصيب بخيبة  من السياسيين  الذين  لا يؤمنون  بالثقافة  والمثقفين  بل  يعادونها.  وخيبة  من الذين  غادروا مواقع الثقافة  الى كراسي الثقافة  وأخذتهم  المسؤوليات عن رسالة  الثقافة  فصاروا جزءاً من المنظومة  السياسية  حسب .

المثقف  العراقي  طالب  بعد التغيير بأشهر  ومازال  يطالب  بمجلس  أعلى للثقافة  وهذا ليس  بمستحيل  في بلد يزخر بالثقافة  والمال  وفيه  دواء للعلل  . لأن الهم والملف الثقافي  يجب أن  يكون بيد  المثقفين العراقيين .

النشر لم يحقق طفرة نوعية

القاص عبد الستار إبراهيم قال :ـ

للأسف  أن المشهد الثقافي العراقي بعد عام 2003 لم يشهد  تطورات ايجابية  بل ظل  يراوح  مكانه .. فبالنسبة  للنشر  لم تتحقق  طفرة  نوعية  كنا نأمل حدوثها  لاسيما  بالنسبة  للنشر  الحكومي  الذي  تقوم به  المؤسسات  القافية .. كما ظهرت  المشاكل  بين وزارة  الثقافة  والمثقفين  .. ففي  الوقت  الذي  يطالب  به المثقفون إشراكهم  في التخطيط  والتطوير  الثقافي  في البلاد  تجاهلت  وزارة  الثقافة  هذا الدور  وهمشته، وظل  دورها  يقتصر  على التمويل  لمشاريع  الثقافة  كما يحدث  في المهرجانات . وحتى في ذلك  الدعم  المالي لم  يكن  بالصيغة  التي  تطلبها  منظمات  المجتمع المدني  الثقافي  كما  الحال مع مهرجانات  الثقافة  التي يقيمها  الاتحاد العام  للأدباء  والكتاب  في العراق .

و بعد  عام 2003  لم نشهد انطلاقة حقيقية  للأنشطة  الثقافية  المتعددة  وكل ما يقدم  في العراق  لا يتعدى  نشاطات تحسب  على أصابع  اليد  الواحدة .. ومن الأمور  التي  برزت  أيضاً هي  قضية  الفساد  الذي  شاب  النشاطات  الثقافية  الرسمية  لوزارة  الثقافة  وهي  تدير مشروع  بغداد عاصمة  الثقافة العربية .

أمسياتنا  صارت أصبوحات

الأديب الكردي عبد الرحمن الباشا مدير تحرير مجلة الصوت الآخر في أربيل قال:ـ

إن الوضع  الثقافي  في العراق  لم يتغير  حسبما  كنا  نعتقد  أو نتمنى،  بل  أصبحت  الثقافة  والمثقف العراقي  في وضع يرثى له. فالمثقف العراقي  بات محاصراً  من العديد من  الجهات . والثقافة  العراقية  تقهقرت بدلا من  أن تواكب  العصر،  وتتقدم  خطوات  الى  أمام.  فالثقافة  المؤدلجة أصبحت  ثقافة  دينية  محصنة، والمثقفون  الذين  بتنا  نراهم  في  التلفاز  أصبحوا  معممين  وملتحين  !  والأمسيات  الثقافية  التي كنا  نتمنى أن تزدهر  في بغداد  ومدن العراق  الأخرى  تحولت  الى أصبوحات  بسبب الأوضاع الأمنية  المتردية  . ويكفينا  أن  نقول  أن فعاليات   بغداد عاصمة  الثقافة  العربية  تمت  في المنطقة  الخضراء  وأحياها  سياسيون بدلا من المثقفين.

النقد يفقد الحكومة صوابها

 

وقال القاص عصام القدسي :ـ

بعد أحداث  التغيير في عام 2003 أتيحت  للمثقف  بعض الحريات  التي  لم تكن  متاحة  في فترة  النظام السابق  ، فصار  بإمكانه  التعبير  عن أفكاره  ونشر  آرائه  وانتقاداته للحكومة  وأدائها ، في حين  كان  في السابق  لا يجرؤ  على  الإدلاء  بها ! كما صار  بإمكان  المثقف  طرح  كل شيء  بدءاً من المقدس  والمقموع والمسكوت عنه على  بساط  النقاش ، ولكنه  أحيانا  يصطدم ببعض  الأحزاب  الدينية  المتطرفة . كما أن  الطروحات  التي  تصيب الحكومة  بالصمم  ، باتت تفقدها  صوابها  ،  ويدفعها  الى  التهور  ومحاربة  المثقف ومواجهة  الصحف  التي  تنشر  طروحاتها  الجريئة  بالعنف  ، كما  حصل  حين  أقدمت  الحكومة على تحطيم مكاتب صحف  البرلمان  والمستقبل والناس  والدستور  بسبب  الانتقادات  التي  توجهها إليها ،  والتي  تذكرها  بعجزها  عن إدارة  البلاد ، وبالفساد  المستشري  في مفاصلها . وهذا  التصرف  بلا شك  مناف للديمقراطية  التي  تنادي بها  ،  ونسعى  جميعا  لبنائها  . فما  زالت  الحرية  التي  حصلنا عليها  بعد سقوط  النظام السابق غير راسخة  وربما  تأثرت  بالمجريات السياسة .

عدم وضوح الرؤيا

 

الناقد  والشاعر  أحمد البياتي  قال :ـ

إن الحديث عن دور المثقف  وجوهر الثقافة  ليس  بالأمر  اليسير . فكل  مثقف  في بلدنا  تراه  يبحث  عن معان مختلفة لوجوده  نتيجة لعيشه في متاهات  ومطبات  معقدة  . انه  بعد التغيير  2003  يعيش  في جو  غريب  تتداخله  المفاجآت ، وفي مجتمع  تسوده الفوضى  وعدم  وضوح  الرؤيا . لذا  أصبح  لزاماً عليه  أن يستدرك وضعه ويبدأ مشواره  بإيضاح  كل  السلبيات والممارسات  غير الصحيحة  التي  طغت  على  السطح لغرض  استئصالها ، وذلك  عن طريق  عقله  وقلمه  وإرادته  الحرة  . ليكون  مسهماً فاعلا  في بناء  مجتمع  مدني  رصين  ومتطور . وينبغي  على المؤسسات الثقافية  أن تتبنى  ثقافة  وطنية  عراقية  جديدة  في عراقنا  الجديد ، من  خلال  الالتزام  بالحرية  الفكرية  وممارسة  الديمقراطية  بوعي  ووطنية  صادقة . فالثقافة التي  ينشدها  المثقف  هي  ثقافة  إنسانية  بكل ما تحمله  الكلمة  من معان، لذا أصبح  عليه أن  يكون متصديا  للأصوات والأبواق  الناشزة  التي تريد خلق  الضوضاء  والفتنة   والتناحر وإشاعة  الفرقة . وان  يتبنى  المسؤولون عن الشأن الثقافي  والمثقف معا إشاعة  ثقافة  التسامح  لسنوات طويلة .

  المثقف العراقي  يعاني  ويعيش  تحت وطأة  الفقر  والحاجة  والحرمان  وتلتهمه الأوضاع  المأساوية  . نلاحظ  الآن أن  البراغماتية  هي اليوم السائدة في كل مناحي  الحياة  ولذلك  لا نستغرب  أن يكون  المثقف في مواجهة  وصراع  مع الحياة . لان واقعه  الذي يعيشه مرير ولا يرحم ، لكن الذي يؤلمنا  ويدعونا  الى إطلاق  صراخنا نحن  المثقفين  هو أن الدولة  لا تساندنا  على اعتبار  أن المثقف  قدوة وكنز ثمين ويجب  الاعتماد عليه  واحتضان أبناء  العراق  الجديد لأن  المثقف له الدور  الريادي  والفاعل  في عملية  البناء  السليم .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مدخل لدراسة الوعي

شخصيات أغنت عصرنا .. المعمار الدنماركي أوتسن

د. صبيح كلش: لوحاتي تجسّد آلام الإنسان العراقي وتستحضر قضاياه

موسيقى الاحد: الدرّ النقيّ في الفنّ الموسيقي

في مديح الكُتب المملة

مقالات ذات صلة

في مديح الكُتب المملة
عام

في مديح الكُتب المملة

كه يلان محمدرحلة القراءة محفوفة بالعناويــــن المـــــــؤجلة مواجهتُها، ولايجدي نفعاً التسرعُ في فك مغاليقها.لأنَّ ذلك يتطلبُ مراناً، ونفساً طويلاً وتطبيعاً مع المواضيع التي تدرسها تلك الكُتــــب.لاشــكَّ إنَّ تذوق المعرفة يرافقه التشويق باستمرار،لكن الـــدروب إلى...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram