لم يحتج الأمر إلى عقد الاجتماع المسائي اليومي لهيئة التحرير لتقرير أي الأخبار سيكون على الصفحة الأولى وأيها يكون للمانشيت. فما من خبر أهم من هذا الخبر المنقول نقلاً حيّاً ومباشراً من بغداد، وما من خبر غيره أجدر بالمانشيت وبالصورة.
هذا ما قرره عبد الرحمن الراشد عصر التاسع من نيسان 2003.. وهكذا تقرر أن يشغل الصفحة الأولى لعدد اليوم التالي (العاشر من نيسان) لصحيفة "الشرق الأوسط" عنوان واحد مختصر هو ((... وسقط نظام صدام)) وصورة واحدة على طول الصفحة وعرضها، هي صورة تمثال صدام في ساحة الفردوس ساقطاً من عليائه، وهو ما لم يحدث من قبل، أعني العنوان الوحيد والصورة بهذا الحجم على الصفحة الأولى.
كان الحدث بقوة زلزال يضرب الكرة الأرضية من مشرقها إلى مغربها.. انه أكبر من سقوط صدام ونظامه، وهذا ما عبّر عنه الراشد في عموده اليومي لعدد اليوم التالي: "لم يسقط صدام حسين أمس، بل سقط ما هو أهم، هوت الأكاذيب الكبيرة التي صاحبته وزفّته وزمّرت له. سقطت عقول أبت إلا أن تزوّر حقائق الحاضر وتاريخ الأمس، وتحدثت باسم الشعب العراقي بهتاناً".
كنا فريقين في قاعة تحرير "الشرق الأوسط" في لندن نتابع عبر البث التلفزيوني الحي مجريات الحرب وسقوط بغداد وتهاوي الصنم وصاحبه ونظامه.. عبد الرحمن ونائبه محمد العوام والمحررون العراقيون وفئة قليلة من العرب هو الفريق المسرور بسقوط نظام صدام، وفئة من المحررين العرب، وهي الأكبر، لم تخف غيظها وغضبها، فسقوط نظام صدام مثّل لها سقوط أيقونتها "القومية".
نحن المسرورين كنا مفعمين بالأمل أن يبدأ مع سقوط نظام صدام ربيع العراق المتأخر أكثر من عشر سنوات، وتالياً ربيع العرب أجمعين المنتظر طويلاً.
بعد عشر سنوات أشعر الآن بغير قليل من المرارة والحرقة، فالآمال العريضة اغتيلت الواحد بعد الآخر. لا تقولوا إن إرهابيي "القاعدة" وفلول صدام هم من طوّح بتلك الآمال.. فالقتلة الحقيقيون هم هؤلاء الذين أساءوا السلوك طوال السنوات العشر المنصرمة.. هم المتقاتلون على السلطة والنفوذ والمال.
من مبلّغ عبد الرحمن الراشد بان الصنم الذي كرّسنا لسقوطه الصفحة الأولى بأكملها، بصورة كبيرة ومانشيت من ثلاث كلمات فقط، لم يهوِ تماماً.. بقيت منه فردة حذاء لم تكفّ عن ضرب العراقيين على رؤوسهم منذ ذلك اليوم حتى اليوم.. وبقيت منه قطعة طويلة من الحديد أشبه بالخازوق!
من مبلّغ عبد الرحمن الراشد أن صدام حسين الذي أسقطنا صنمه ونظامه على تلك الصفحة الأولى يسخر منا الآن على مدار الساعة عبر فردة الحذاء تلك وذلك الخازوق.
لم يسقط صنم صدام تماماً بعد.. ولم يسقط نظام صدام تماماً إلى اليوم.. نظامنا الحالي فيه الكثير من نظام صدام، من عقلية صدام إلى قوانين صدام إلى ضباط صدام وفدائيي صدام أيضاً الذين يُعاد إليهم الاعتبار الآن.. و.. و.. و.. و..
جميع التعليقات 3
الموج الهادر
لم ولن يسقط نظام صدام ... ما دام فينما امثال علي البياتي الخبير والعالم في الجينات الوراثية والذي اعلن وعلى شاشات التلفزيون انه سيستنسخ المالكي .... فمن لديه القدره على استنساخ المالكي مستعد ان يستنسخ صدام ونظامه وجرائمه وايامه السود العجاف ... فلا تتعجب
علاء البياتي
سيدي الكاتب ..لماذا لم تقول الحقيقه على عادتك ..انتم وامريكا لم تسقطوا صدام حسين ..انكم هدمتم بلدا كاملا ..انتم ذبحتم العراق ..انتم اثبتم مقولة صدام التي كنت استهزء بها داخل العراق دون خوفا من جلاوزته عندما كان يقول انا العراق...انتم وليس غيركم معارضي الخ
كاطع جواد
سيد علاء ان خلط الاوراق بهذه البساطة ليس موفقا فعهد صدام لم يكن ورديا بل كان عهدا مظلما وان الرعب الذي كان متغلغلا في كل مفاصل الحياة جعل العراقي يخاف من ظله ..فاية كرامة وأية وطنية تلك ، كان الشعب العراقي يساق كالقطيع من محرقة الى محرقة كانت الشعبة الح