فتح الله على وزير الخارجية الأميركي جون كيري، فأعلن بعد جولات مكوكية في المنطقة، أنه من خلال تلبية الاحتياجات الأمنية لإسرائيل، وهي حقيقية، وتطلعات الفلسطينيين إلى دولة، وهي حقيقية، عندها سيكون الوصول إلى وضع يكون من الممكن فيه إقامة السلام، وهو هنا يقفز على حقيقة الموقف المتصلب لنتنياهو، الرافض للطلب الفلسطيني بأن تقدم إسرائيل تصورها حول الحدود النهائية، بينها وبين الدولة الفلسطينية العتيدة قبل استئناف المفاوضات، ولعله اختار بديلاً لذلك، ما لمحت إليه الوزيرة تسيبي ليفني، المكلفة ملف المفاوضات مع الفلسطينيين، عن احتمال تخلي إسرائيل عن شرط اعتراف الفلسطينيين بها دولة يهودية، بعدما أيقنت أن هذا الشرط يمنع استئناف المفاوضات.
كيري، الذي انتهز فرصة وجوده في الأراضي المحتلة، ليشارك المسؤولين الإسرائيليين في مراسيم إحياء ذكرى ضحايا المحرقة، يتجاهل بالكامل قضية الاستيطان، وهي حجر العثرة الرئيس في استئناف العملية التفاوضية، وتطرح السؤال عن تأثيرها على التوصل إلى حل، حجر الأساس فيه إنهاء الاحتلال، والانسحاب من الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ العام 1967، وكأن المطلوب أميركياً الدخول في مفاوضات عقيمة، بدل التركيز على القضية المركزية المتمثلة بإنهاء الاحتلال، وكل المواضيع المرتبطة به، بما في ذلك وقف الاستيطان، والتخلص من المستوطنات المقامة بعد حرب 67.
لن يكون مجدياً زيارة وفد عربي طويل عريض إلى واشنطن، بهدف تحريك ليس العملية التفاوضية العقيمة، وإنما وضع حد لاحتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية، ما دامت الإدارة الأميركية تؤكد أن "أمن إسرائيل" أولوية عندها، تهون مقابلها كل المعضلات، وهي تتجاهل أن قمة عربية تقدمت بمبادرة سلام، تضمن اعتراف الدول العربية، وفوقها الإسلامية، بالدولة العبرية، وتتجاهل أن الشريك الفلسطيني على استعداد لبذل كل جهد ممكن ومتاح، بالتعاون مع الإسرائيليين وسواهم، لضمان الأمن، ليس لإسرائيل وحدها، وإنما لكل دول المنطقة، التي يتأثر أمنها بالمعضلة الفلسطينية، طالما استمر الاحتلال.
ليس معروفاً إن كان الوزير الأميركي يدرك أن الإسرائيليين واثقون أن زيارته لن تحدث اختراقاً في المفاوضات، وأن الخطوات التي نجح في جرّ الطرفين إليها، كتخفيف قيود الاحتلال في الضفة، ووقف النشاطات الفلسطينية في الأمم المتحدة، ومحاولته إقناع نتنياهو بتجميد الاستيطان، دون إعلان رسمي، وأيضاً التعهد بالإفراج عن الأسرى، دون أن يكون ذلك كله شرطا مسبقا لاستئناف المفاوضات، لن تؤثر إيجاباً في الموقف المتعنت لنتنياهو، والمتمثل بضرورة خضوع الجانب الفلسطيني، ومن بعده العربي، لرؤيته لمآلات الصراع، وهي أن الدولة الفلسطينية لن تقوم، وأن أقصى ما سيقدمه من "تنازلات" هو إدارة فلسطينية للمناطق المحتلة، بوصاية إسرائيلية مكتملة الأركان.
الأمن الإسرائيلي المطلوب، لن يكتمل عند نتنياهو، بغير استمرار الاحتلال، وهو يرفض استبدال قواته في الضفة بقوات أمن فلسطينية متعاونة، أو حتّى دولية، وأن كل تسوية دائمة مع الفلسطينيين يجب أن تنطوي على ترتيبات أمن متشددة للغاية، أي استمرار تواجد قوات الاحتلال في الأراضي الفلسطينية، لأن مصير الاتفاقات التي يوقع عليها من دون أن يكون في أيدي إسرائيل سيف حاد هو أن تصبح ورقة عديمة القيمة، وهو مستعد في المقابل لأن ينسحب إلى الكتل الاستيطانية، مع البقاء عسكرياً، ولأمد طويل في غور الأردن،، على أن يتم التوقف عن بحث وضع القدس، وتلك عقبات على كيري إدراك أنها لن تسمح بالعودة إلى التفاوض، فكيف بإنهاء الاحتلال ؟!
معادلة كيري البائسة لن تقود إلى التفاوض، إلا إن كان الفلسطينيون والعرب مستعدين للبحث عن وطن بديل، والاعتراف بيهودية إسرائيل.
معادلة كيري البائسة
[post-views]
نشر في: 9 إبريل, 2013: 09:01 م