بعد أن انتفى سبب تحملي لوحشة العيش بمدينة أكتوبر المصرية وبُعدها عن قلب القاهرة،، نصحني أصدقاء بالسكن في شارع "سليمان جوهر" بمنطقة الدقي. أول ما سمعت بالاسم ظننته اسما لمطرب خليجي. لا أعرف لماذا خطر ببالي ذلك.
الشارع في مجمله سوق شعبي. أرصفته يشغلها باعة الخضراوات من الجنسين. تتوسطه محال لبيع الخردة والكهربائيات والمعدات البنائية. فيه أيضا عيادات طبية وصيدليات ومكاتب للمحاماة والهندسة ومقاه شعبية. مع هذا يظل الضجيج والزحام والتلوث من أهم ما يميز هذا الشارع المكتظ بالناس صباح مساء.
فيه، وفي درابين متفرعة منه، يعيش جمع من العراقيين لا أعرف سببا محددا لاختيارهم له. ربما لرخص الإيجارات أو الخضراوات أو بحكم البحث عن الرفقة العراقية. أذكر أنه في أيام تصوير مسلسل "الباب الشرقي"، اكتظ الشارع بالممثلين العراقيين الذين شاركوا فيه.
ذات يوم احتجت لإصلاح هاتفي النقال عند محل تصليح قرب مترو "الدقي". حين عرف المصلّح إني عراقي، بادرني من عنده: وطبعا تسكن في شارع سليمان جوهر يا باشا. وعرفت ازاي؟ انتو العراقيين بتسكنوا الشارع ده عشان صدام كان ساكن فيه! شلوووون؟؟
لأول مرة اعرف بان صدام كان يسكن في الشارع ذاته:
اشردت منه يخلق الله وتاني
لقيته بحضرموت يخم عليه
وكم تحتاج من الوقت لإصلاح الهاتف يا باش مهندس؟ ساعة وحدة. ولأن المصري عندما يعطيك موعدا، عليك أن تضاعف الرقم أو تضربه في 5 أحيانا، وأنت الممنون، لذا ودعته وأنا أعلم أنها ستكون ساعتين أو أكثر.
ولكي "أقتل" الوقت، عرجت على مكان شعبي صغير يشبه ركن "فريدي" الصغير بدمشق لمن يعرفه. كانت المقاعد مشغولة فاضطررت أن أشارك اثنين طاولتهما. كانا لطيفين وطيبين. احدهما يبدو في الثمانين من عمره والآخر في متوسط العمر.
وكما هو متوقع، كان أول سؤال: منين حضرتك؟ من العراق. اجدع ناس. أفصح لي الأصغر سنا انه يحب صدام حسين. قلت في قلبي "بدت رحمة الله" ولا أظنها ستعدّي على خير هذا اليوم. بادره الآخر: أنا بكرهه. أشغلت نفسي بما استطعت الانشغال به وتركتهما يتجادلان، إلى أن سمعت من الكبير أن صدام كان يرتاد المكان ذاته الذي أنا جالس به معهما. أثار كلامه فضولي فسألته عن بعض التفاصيل. عرفت منه أنه يكره صدام لأن الأخير كان "بلطجيا". أكمل يا حاج أكمل. سحب نفسا عميقا من سيجارة الـ "كليوباترا"، وقال: "كان يأتي إلى هنا مجموعة من العراقيين الهادئين يتعاملون في ما بينهم ومعنا بأدب. بعد ذلك يلتحق بهم صدام. بعد وصوله بنصف ساعة على الأكثر يبدأ العراك والسباب. شتم وسباب لا ينتهي إلا بعد أن يضربوا بعضهم بالكراسي. حاولت مرة أن أتدخل لفض الشجار بينهم لكن صدام شتمني. ومن يومها كرهته".
انقبضت نفسي، وظلت عيناي تدوران بالمكان، وفي قلبي أكثر من سؤال وسؤال.
صدام كان هنا!
[post-views]
نشر في: 10 إبريل, 2013: 09:01 م