رغم أن جماعة الحريري، يؤكدون أن الإجماع على تكليف تمام سلام بتشكيل الحكومة اللبنانية العتيدة، يأتي بنكهة لبنانية خالصة، وأن الموضوع يأتي بإشارة فقط من الرياض، فإن الخلافات التي برزت على السطح فور التكليف، تؤشر إلى مبارزة بين طرفي المعادلة الآذارية، لجهة لون الحكومة وبيانها الوزاري، والمؤكد اليوم أن تشكيل الحكومة سيشهد عقبات أكبر من التكليف، والتباين شديد الوضوح بين مطالب تيار المستقبل، أن تتشكل حكومة حيادية من أشخاص غير مرشحين، أو حكومة تكنوقراط، باعتبار أن الحكومة السياسية تفتح بابًا لتأجيل الانتخابات، ومطالب حزب الله بحكومة سياسية تحت مظلة الشعب والجيش والمقاومة، في حين يفضل الرئيس المكلف ألا تكون حكومته فضفاضة أو موسعة، وحدد مهامها بإنجاز قانون الانتخاب وإجراء الانتخابات، وتثبيت السلم الأهلي، وتحقيق المصالحة الوطنية.
لم يكن مدهشاً مسارعة حزب الله وتيار عون للتوافق على تكليف سلام، لإدراكهما حقيقة التغيير الجذري في ميزان القوى الداخلي، وضرورة عدم مناهضة هذا التطور بشكل فوري، خشية إثارة موجة من المواجهات الطائفية الكامنة، إضافةً إلى عدم الرغبة في مجابهة التحرك السعودي، المرتبط حتما بما يجري في سوريا، على أن ذلك لا يعني التسليم الكامل، فقوى الثامن من آذار تناور، مع مهادنتها، لتشكيل ما تصفه بحكومة وحدة وطنية سياسية، وهو ما ترفضه المعارضة السابقة، التي تحولت إلى أكثرية بسبب انحياز النائب وليد جنبلاط لصفوفها من جديد، لكن المدهش أن كلا الفريقين يجدان تفسيرات متباينة لنفس الموضوع، على أن يصب التفسير في المصلحة الخاصة بكل منهما.
يرى البعض أن تفاهماً، أو سمّه مؤامرة، اشترك فيها حتّى ميقاتي نفسه مع رئيس الجمهورية وجنبلاط، وحظيت بمباركة سعودية وغربية، استهدفت الانقلاب على حزب الله والذين معه، على اعتبار أن الظرف غير مؤات لحكومة يديرها الولي الفقيه، لحساب النظام السوري، عبر الشيخ حسن نصر الله، وغير مؤات أيضاً للعماد عون وعنعناته واشتراطاته المتميزة بالشخصانية، مع ضرورة خضوعه لموازين القوى الجديدة وهي حتماً في غير صالحه، وهكذا تم تنفيذ الانقلاب على الانقلاب الذي أطاح حكومة الحريري، وإن لم يعده إلى السراي الحكومي.
يبدو أن عملية التأليف لن تكون بالأمر السهل كما تمت عملية التكليف، إلاّ إن اقتنع الطرفان بضرورة تنحية الأمور الخلافية، ذلك أن وطن الأرز يحتاج للتوافق، لحمايته من تداعيات الأزمة السورية وتحصين ساحتة، من التداعيات الأمنية، واستغلال الاتفاق العربي والدولي على إبعاد لبنان عن الأزمات المتلاحقة في المنطقة، وإن لم يتم التوافق على حكومة سياسية بامتياز، فإن الخيار المتبقي هو قيام حكومة مصغرة، تتشكل من تكنوقراط بدون انتماء سياسي، مهمتها تصريف شؤون الحياة اليومية، بينما تواصل القوى السياسية لعبة الصراع الداخلية، لتحسين مواقفها ومواقعها.
بديهي أن التوافق على سلام رئيساً للحكومة لا يعني التوافق بين أطراف العمل السياسي، المهم أنه برّد لهيب الاحتقان الطائفي، ودفع إلى الرضوخ لفكرة التوازن في اللعبة السياسية، وبات مؤكداً أن تيار المستقبل سيسعى لاستعادة دوره الذي حاول شيوخ السلفية التفرد فيه، كما بات مؤكداً أن حزب الله اقتنص الفرصة لمنع توريطه في معارك جانبية، تمنعه من أداء دوره السوري، وإذ تعودنا على أن رمال السياسة اللبنانية متحركة باستمرار، فان علينا توقع عدم التلاقي بين القوى المتصارعة، وعدم إنجاز تأليف حكومة سلام بالسرعة المأمولة، كما أن التطورات الإقليمية ستكون عاملاً في تطويل فترة التأليف، بانتظار حسم الملفين السوري والنووي الإيراني.
تمام سلام..سهولة التكليف.. صعوبة التأليف
[post-views]
نشر في: 10 إبريل, 2013: 09:01 م