تصدر نبأ وفاة مارجريت تاتشر، وسائل الإعلام، المقروءة والمسموعة والمرئية، في المملكة المتحدة وسائر أقطار المعمورة. بالإشارة لأبرز محطات سيرة المرأة التي عرفت بكنية السيدة الحديدية، مما عزز إستثنائيتها _ حية وميتة – الإعلان عن حضور الملكة البريطانية وزوجها الدوق، مراسيم التشييع، ولعلها المرة الأولى في تاريخ بريطانيا أن تحضر الملكة، بعدما كان يعهد لولي العهد الأمير تشارلس بهذه المهمة للمشاركة في تشييع من سبق من الراحلين الكبار، يتوقع المراقبون أن يكون التشييع مهيبا، كما جرى لوداع الملكة الأم والأميرة دايانا.
امرأة وصفت بأن قلبها قدّ (بتشديد الدال) من حجر صوان، وهي تواجه أعنف المسارات دون أن تلين أو تتراجع. محطات كثيرة مر بها قطار تاتشر : تعاملها الصارم الحازم مع عمال المناجم وإضرابات عمال السكك، حربها الباهظة التكاليف – ماديا وبشريا – في الفوكلاند، تفتيتها وشرذمتها لأدوار نقابات العمال التي كانت سمة بريطانية بامتياز. الرقم الصعب في المباحثات مع الجيش الإرلندي الانفصالي، إصرارها على حجب وجبة الحليب المجانية للمدارس ورياض الأطفال. فرضها الضرائب التصاعدية على السكن ومدخولات الأفراد.والتي ضج من تداعياتها متوسطو الدخل، دون أن يرف للسيدة جفن للتراجع او الندم. إقدامها على تمليك الشقق السكنية البلدية المملوكة للدولة، لساكنيها. فرض الضرائب التصاعدية على المدخرات. خصخصة الاقتصاد البريطاني، وإعادة الاعتبار لسطوة رأس المال الحر (كذا!). وقوفها الند للند بوجه زعامات عريقة لأحزاب عريقة. شجاعتها غير المألوفة باتخاذ القرارات المصيرية، وغير هذا وذاك الكثير الكثير.
لم تكن سنوات حكمها التي تجاوزت الحادي عشرة عاما، مفروشة بالزبدة مسيجة بخوابي العسل،
إمرأة مزينة بعقد لؤلؤ وربطة حرير، وأناقة من غير إسفاف ولا بهرج، مدججة بفوز كاسح لثلاث دورات انتخابية – دون تزوير - تحكمت بإرادات وغيرت قناعات طاقم وزاري بينهم عتاة في التاريخ السياسي المعاصر، هذه المرأة القوية التي رسمت ورسخت علاقات بلدها برؤساء الدول الكبرى، هي نفسها التي عجزت أن تملك زمام ضعفها، وابنها يضل طريقه في الصحراء، وهي المرأة نفسها التي حاولت جاهدة إخفاء جزعها وابنها يتهم بخروقات وفضائح مالية، او تورطه بصفقة ما عرف بصفقة اليمامة السعودية. هي المرأة الحديدية نفسها التي يرق في حنجرتها الصوت ويتهدج وهي تعلن صيرورتها جدة لأول مرة لحفيد حلو اسمه (مايكل)
هي المرأة الحديدية نفسها التي زجرت _ بكبرياء مجروح، دموعا سخية ترقرقت بن الجفن والمقلة، وهي تخرج من باب مبنى الرئاسة، مذعنة – متلفتة، شبه مطرودة ، مخذولة محبطة من الزملاء الأعداء!
يعلق سياسي خصم، ناصبها العداء ونافسها على الرئاسة، والمذيع يسأله رأيه بتاتشر :
- تاتشر لم تمت هذا الصباح، تاتشر ماتت عندما غادرت مبنى(داوننج ستريت) ماتت مذ انحسرت عنها الأضواء.
أتساءل، وتعليق السياسي يلتصق بالذاكرة والعلم البريطاني على سارية مبنى الرئاسة منكس نصف انتكاسة:
أهذا هو السر الدفين الذي يجعل الكثير من أرباب السياسة والحكم يتشبث بالكرسي حتى الرمق الأخير، خشية من موت سريري شنيع، هو أهون وأرحم من طلوع الروح؟!
المرأة الحديدية، من لحم ودم
[post-views]
نشر في: 10 إبريل, 2013: 09:01 م