بالتأكيد هذه ليست الطريقة السليمة ولا الأسلوب الناجع لضبط الأمن ومنع الإرهابيين من تنفيذ عملياتهم. ولا ندري بأي طريقة وأي أسلوب يمكننا أن نقنع الحكومة ورئيسها ووزارتي الداخلية والدفاع وقيادة عمليات بغداد بهذه الفكرة وبأن هناك وسائل وأساليب أفضل وأضمن يتعيّن عليهم التحوّل إليها.
الدليل على عدم سلامة ونجاعة التضييق إلى أقصى حد على مرور السيارات بنقاط التفتيش (السيطرات) في شوارع بغداد، وقيام عناصر هذه النقاط بتفتيشها يدوياً سيارةً سيارةً، أنه أسلوب يثير المزيد من التذمر والحنق بين الناس الذين ينحشرون في السيارات ساعاتٍ طويلةً قبل الوصول إلى وجهاتهم، ويضطر الكثير منهم إلى الترجل منها والمشي سيراً على الأقدام. وللناس كلّ الحق في تذمرهم وحنقهم لأنهم يدفعون ثمناً باهظاً لفشل الحكومة وأجهزة الأمن في مكافحة الإرهاب وتوفير الأمن. الناس يجدون أن الحكومة تعاقبهم بهذا الأسلوب لأنهم يغادرون منازلهم إلى مقارّ عملهم وعيشهم.
والدليل الثاني على عدم سلامة ونجاعة أسلوب السيطرات أننا لم نسمع أبداً أن هذه الطريقة أو هذا الأسلوب قد نجحا في الإمساك بإرهابيين والاستيلاء على أسلحة ومتفجرات ومعدات كانت ستُستخدم في عمليات إرهابية، وكيف يكون هذا مادام الإرهابيون ينقلون أسلحتهم وذخائرهم في الغالب في سيارات حكومية تمرّ من المسارات الخاصة بالمركبات العسكرية ومواكب المسؤولين ولا يفتشها أحد في خرق للتعليمات المكتوبة بخط واضح في السيطرات جميعها: "الكل يخضع للتفتيش" و"لا أحد فوق القانون"، لكن ما هو قائم على الأرض أن الإرهابيين، كما مسؤولو الدولة، لا يخضعون للتفتيش وهم فوق القانون الذي لا يُطبّق إلا على عامة الناس.
والدليل الآخر، وربما الأقوى، أن الإجراءات الأمنية المشددة للغاية لم تفلح في منع الإرهابيين من تنفيذ عملياتهم متى ما أرادوا وحيثما شاءوا، فهم يتصرفون براحة إلى حد تنفيذ نحو عشر عمليات في يوم واحد في بغداد بالذات، كما حصل غير مرة في الأشهر الأخيرة.
أسهل الحلول ليس هو أفضل الحلول، بل هو في الغالب حل الفاشلين .. قطع الطرقات وتفتيش السيارات واحدة واحدة وخنق الشوارع بها ومحاصرة المناطق هي من أسهل الحلول، لكنها من أفشل هذه الحلول كما أثبتت تجربتنا لعشر سنوات متتالية.
ثمة أجهزة إلكترونية للرقابة والتفتيش (كاميرات ومجسّات وسواها) متطورة للغاية متوفرة في أسواق الدول المتقدمة، ونحن لدينا كل الإمكانات المالية اللازمة لشراء هذه الأجهزة ونشرها في شوارعنا .. بمقدار غير كبير مما ينهبه الفَسَدة في دولتنا من مليارات الدولارات يمكن توفير العدد الكافي من هذه الأجهزة التي يمكنها تحديد من أين ينطلق الإرهابيون لتنفيذ عملياتهم وأين ينتهون.
الأمر يتطلب قراراً حكومياً جاداً بمكافحة الفساد المالي والإداري، وآخر بتنظيف أجهزة الأمن من العناصر المندسّة التي تتواطأ مع الإرهابيين وتسهّل لهم مهمّاتهم الإرهابية.
لكن، قبل هذا والأهم منه، أن تنشأ وتترسخ علاقة ودية بين الشعب والحكومة، فعين الشعب أفضل جهاز ووسيلة لمراقبة الإرهابيين ومكافحة الإرهاب .. والود بين الشعب وحكومتنا، وعموم الطبقة السياسية المتنفذة، مُفتقد. هذه حقيقة من العبث نكرانها. والوضع على هذا الصعيد يتفاقم مع اشتداد ما يسمّى بالإجراءات الأمنية.
جميع التعليقات 1
كاطع جواد
الامن كما ذكرت يا سيدي لا يتم بهذه الفوضى والازدحام اضافة لما قدمته من بديل ، فان الامن هو ثقافة قبل ان تكون نقاط تفتيش وسيطرات عديدة تسبب القهر والألم للمواطن وهذه الثقافة الأمنية تبدأ من البيت مرورا بالمدرسة ثم مؤسسات المجتمع المدني والإعلام الرسمي تقع