خطوة جبهة النصرة بمبايعة زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري، أتت رداً على إعلان أبو بكر البغدادي، دمج دولة العراق الإسلامية مع الجبهة التي تقاتل في سوريا، تحت راية واحدة سوداء، ما دفع أمير الجبهة أبو محمد الجولاني للتأكيد أن جبهته تدين بالولاء للظواهري دون سواه، ولتخسر بذلك أي دعم شعبي على الساحة السورية، ربما كانت كسبته بعد تحقيقها بعض الانتصارات ضد قوات الأسد، وتقديمها خدمات للمواطنين في المناطق التي تسيطر عليها، إذ ليس سراً أن ثقافة القاعدة غريبة على المواطن السوري، كما أن هذا الإعلان منح النظام السوري فرصة التأكيد على أنه يخوض حرباً ضد تنظيم إرهابي، يستهدف بناء دولة مذهبية متشددة، معادية للغرب والمسيحية والإسلام المعتدل، وعملياً سارعت دمشق لمطالبة مجلس الأمن الدولي، بإدراج جبهة النصرة على لائحته السوداء للتنظيمات المرتبطة بتنظيم القاعدة.
يظن البعض أن الجبهة بايعت الظواهري، نتيجة إدراجها من قبل واشنطن في قوائم المنظمات الإرهابية، رغم أنها ومنذ ظهورها في بلاد الشام، لم تقم بأعمال إرهابية ضد المدنيين، كما فعلت نظيرتها العراقية، لكنها تبنت تفجيرات استهدفت في غالبيتها المواقع العسكرية والأمنية، وبرزت كقوة قتالية أساسية، تمتلك الخبرة في حرب العصابات، نتيجة انضمام عدد من المقاتلين الذين تدربوا في العراق إلى صفوفها، وهم على معرفة بالتضاريس التي يقاتلون فوقها، نتيجة دعم النظام السوري لهم أيام "جهادهم" ضد العراقيين، وهم تعلموا من تجربتهم عدم التعرض للمدنيين، الذي كان سبباً في عداء الشعب العراقي لهم فكراً وممارسه.
منذ أعلنت الجبهة انخراطها في القتال الدائر في سوريا، كان متوقعاً اصطدامها مع القوى الديمقراطية والوطنية، وليس سراً أن بعض القوى الغربية فكرت بإنشاء قوات صحوات، على غرار تلك التي حاربت القاعدة في العراق، ورأى البعض من قوى الثورة وجوب تأجيل الصدام، والاستفادة من خبرات الجبهة في مقارعة النظام، حتى أن الشيخ معاذ الخطيب رفض القرار الأميركي باعتبارها إرهابيةً، غير أن مبايعتها للظواهري غيرت الموازين، ويبدو أنها تقرب وتستعجل معركة مبكرة، المستفيد الأول والوحيد منها هو نظام الأسد.
حين تضع جبهة النصرة نفسها تحت قيادة الظواهري، المختبئ في أفغانستان، فإنها تعلن نفسها تنظيماً غير سوري، وهي نأت بنفسها منذ البداية عن التنظيمات المناوئة للأسد، سواء كانت سياسية أو عسكرية، كما أنها أثارت شكوكاً حول علاقتها بإيران، الداعمة للنظام السوري بكل الطرق الممكنة، ولعل بعض الثوار السوريين على حق، وهم يتهمون واشنطن برعاية الجبهة، بهدف إبعاد مقاتليها عن العراق، وشق التمثيل السيادي للثورة، وإيجاد ذريعة واضحة لوصم الثورة بالإرهاب، خصوصاً وأن تنافس البعض معها، دفع بعض كتائب الجيش الحر لتبني فكرة الثورة الإسلامية، مستغلين المناخ الطائفي للصراع، وهو مناخ ليس هناك شك أن النظام غذّاه وأذكاه.
الجولاني وهو يربك صفوف الجبهة في سوريا والتنظيمات الداعمة لها، يتبرأ من تجربة القاعدة في العراق، ويتحدث عن الشراكة مع فصائل الثورة السورية، في تشكيل مرحلة ما بعد الأسد، وهو لو كان اكتفى برفض قرار الدمج العراقي، لتعزز حضور جبهته، وأضعف رواية النظام السوري، وقلل من التجاذب مع بقية الأطراف في سوريا، وجنبها الدرس الذي شهدته في العراق، لكن مبايعته للظواهري خلطت الأوراق، وأعطت للنظام السوري ورقة دعم مجانية، في وقت يواجه فيه عزلةً دوليةً وعربيةً، وربما يؤثر بشكل سلبي، على الاندفاع العربي والدولي في دعم الثورة، والعمل على إسقاط الأسد.
البغدادي والجولاني والظواهري والدولة الإسلامية
[post-views]
نشر في: 12 إبريل, 2013: 08:01 م