اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > دفانات

دفانات

نشر في: 12 إبريل, 2013: 09:01 م

دائما في الحياة احداث مضحكة مبكية، وهي أحداث تجتمع فيها تناقضات تجعلك تمر بمشاعر لا هي مفرحة ولا هي محزنة، أي تكون في موقف ربما لم يسمه أحد لحد الآن. ومما واجهته مؤخراً من الأحداث التي اضحكتني ضحكاً كالبكاء، سماعي لواعظ شاب يعض الناس داخل مجلس عزاء مكتظ بالحضور، فيترك جميع المشاكل والمصائب التي نمر بها والأخلاق والعادات المعوجَّة التي نمارسها ويتطرق لموضوع لا يخطر على بال الشياطين. تخيلوا معي بماذا طالب رجل الدين الشاب هذا، الحضور الذين كانوا يستمعون إليه خاشعين؟
لقد كان يوبخهم، لا لأن الفساد بات منتشراً بينهم بشكل مفجع، مثلاً، ولا ليحملهم مسؤولية خراب بلد لا يستحق الخراب. ولا لأنهم تحولوا إلى شعب عاجز لا يعرف كيف ينقذ حقوقه ويدافع عن نفسه ضد غيلان السياسة وسعاليها، ولا لأنهم موشكون على تقطيع البلد إلى إقطاعات صغيرة بسبب ميولهم الطائفية أو القومية. لقد ترك كل هذه الأمور المهمة والكثير من القضايا الأخرى المشابهة، وراح يوبخ الناس لأنهم يتركون الجنائز الخاصّة بنسائهم بيد دفانين رجال، معتبراً أن في هذا الفعل ما فيه نقص في الغيرة وخلل في التدين!!
أي أنه يقصد بأن هذه الجنائز تكون عرضة للتحرش من قبل الدفانين، ويطالب الناس بأن يحتاطوا لذلك، لكنه لم يخبرهم كيف؟ فهل عليهم يتولوا دفن نسائهم مثلاً؟ أم عليهم أن يطالبوا الحكومة بتخصيص درجات وظيفية لنساء دفانات؟ أم أن عليهم أن يبحثوا عن كفن يكون مانعاً للتحرش؟
هذا هو الإفلاس المجتمعي، أقصد أن يستمع الناس لهذا المستوى المتدني من الوعظ، وأن ينتهي بنا الخوف من جسد الأنثى حدّ مطالبة واعظينا لنا بملاحقة هذا الجسد إلى القبر ومراقبته وحراسته حتى من أيدي الدفانين ونظرات الدفانين ووساوس الدفانين. وأنا متأكد لو أن هذا الواعظ وجد من يستمع إليه، وينفذ له رغباته، لأدخل الناس بوساوس لا طاقة لهم بها، كأن يتولى كل رجل إجراء العمليات الجراحية لمحارمه من النساء خوفاً على أجسادهم من أيدي ونظرات ووساوس الأطباء.
المشاعر التي شعرت بها لحظة سماعي لهذا الواعظ مشاعر مختلطة حقاً، وهي فعلاً نمط من المشاعر لم نسمها لحد الآن، فقد وقفت وأنا اضحك وأبكي وأشعر بالإفلاس والغضب والعجز واليأس وإلى آخره من المشاعر التي استطاع هذا البهلوان أن يجمعها بفكرة لا تخطر فعلاً حتى على عقول الأبالسة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 5

  1. وميض

    الاخ سعد لا اريد ان اطاردك بتعليقاتي ولكن علينا القول ان كلمة الحق يجب ان تقال في مواضيع كبيرة ولاتقاس صغائر الامور على سياسة بلد انت لديك موقف من الحكومة لابأس فلاتجعل حتى في انفلونزا الخنازير سببها المالكي سيذهب ويأتي غيره وستشبعون ديمقراطية ودستور نظي

  2. امجد عليج

    ساعمل للموضوع نسخ وذلك لكون بعض الاصدقاء يتكاسل لفتح رابط مع فائق امتناني

  3. م.سلام خالد

    والله يا سعدون فعلا مضحكة مبكيه هذه الموعظه , وفعلا لو ان الانسان اسلم نفسه لهذه الوساوس لامسى مسخا لا انسانا يذكرني موضوعك بحادث حصل مع صديق لي طبيب اخصائي جالس في كيا ليذهب الى مستشفى في مدينة الصدر وكانت جالسة قربه امراة عجوز قاربت الثمانبن او اكثر , ض

  4. أحمد هاشم الحسيني

    رحمة بنا وبلغتنا العربية يا كتابنا وصحفيينا فالشاب الواعظ يعظ موعظة ولا يعض ويا سبحان الله يكاد مرض التمييز بين الظاء والضاد يصيب الجميع .

  5. علي الخزعلي

    شر البليه مايضحك وفي احدى المرات حضرت مجلس عزاء فكان الخطيب يقول كلاما غير مفهوم وينطق باسماء علماء اجانب ويستعرض نظرياتهم وقال من يقول الارض كرويه فهو واهم وضحكنا في سرنا وانطلقنا لان المجالس ليس فيها نقاش او حوار

يحدث الآن

العراق الثاني عربياً باستيراد الشاي الهندي

ريال مدريد يجدد عقد مودريتش بعد تخفيض راتبه

العثور على جرة أثرية يعود تاريخها لعصور قديمة في السليمانية

"وسط إهمال حكومي".. الأنبار تفتقر إلى المسارح الفنية

تحذيرات من ممارسة شائعة تضر بالاطفال

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

من دفتر الذكريات

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

 علي حسين ما زلت أتذكر المرة الأولى التي سمعت فيها اسم فولتير.. ففي المتوسطة كان أستاذ لنا يهوى الفلسفة، يخصص جزءاً من درس اللغة العربية للحديث عن هوايته هذه ، وأتذكر أن أستاذي...
علي حسين

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (1-2)عطلة نهاية العام نقضيها عادة في بيت خوالي في بغداد. عام ١٩٥٨ كنا نسكن ملحقاً في معمل خياطة قمصان (أيرمن) في منتصف شارع النواب في الكاظمية. أسرّتنا فرشت في الحديقة في حر...
زهير الجزائري

دائماً محنة البطل

ياسين طه حافظ هذه سطور ملأى بأكثر مما تظهره.قلت اعيدها لنقرأها جميعاً مرة ثانية وربما ثالثة او اكثر. السطور لنيتشه وفي عمله الفخم "هكذا تكلم زارادشت" او هكذا تكلم زارا.لسنا معنيين الان بصفة نيتشه...
ياسين طه حافظ

آفاق علاقات إيران مع دول الجوار في عهد الرئيس الجديد مسعود پزشكیان

د. فالح الحمراني يدور نقاش حيوي في إيران، حول أولويات السياسة الخارجية للرئيس المنتخب مسعود بيزشكيان، الذي ألحق في الجولة الثانية من الانتخابات هزيمة "غير متوقعة"، بحسب بوابة "الدبلوماسية الإيرانية" على الإنترنت. والواقع أنه...
د. فالح الحمراني
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram