ينفق أرباب الأسر من سكان قرية عويسيان والقرى المجاورة لها شهريا، ما لا يقل عن 150 ألف دينار،هي كلفة معالجة مرضاهم في العيادات الخاصة بالعشار وهي أمراض ومعالجات مثل زرق أبر،أمراض أطفال موسمية،علاجات بسيطة لأمراض الشتاء مثل الزكام والربو والصداع والمعدة وغيرها،ذلك لعدم وجود مستوصف قريب من قراهم هذه،ولكي يقبل مرضاهم في العيادة الخارجية لمستشفى الصدر التعليمي او مستشفى البصرة العام كمراجعين لها عليهم استحصال تحويل ورقي من أقرب مستوصف لسكنهم، وهو الكائن في قرية مهيجران 6-7 كلم عن بيوتهم ،وهذا حال سكان قرى السراجي،عويسيان،كوت الضاحي،أبو سلال،فجة ابن نعمة ، أبو الجوزي،عبدالليان،البهادرية،الفيّة،سيد غريب،قنطرة حرب،كوت ثويني وغيرها وهي قرى يبلغ عدد سكانها بين(60-70)ألف نسمة،ليس فيها سوى مستوصف واحد(مستوصف مهيجران) وهو أصغر مستوصف بني في العراق مطلع السبعينات من القرن الماضي.
وبين مستوصف البراضعية شمالا ومستوصف مهيجران جنوبا مسافة 10 كلم،تقع بينهما القرى هذه،التي يسكنها العدد الكبير هذا،هناك إعداديتان فقط (المجد،الإعلام )وهناك بحدود 7-8 مبان لمدرسة فقط، متوسطة وابتدائية،المدارس بثلاث مراحل دراسية ،يعني ابتدائية ومتوسطة وثانوية في نفس البناية لكن هناك أكثر من 200 دار للعبادة بين مساجد وحسينية وموكب ،وهناك مبان أخرى مستخدمة كمضيف لعشيرة أو ديوان ،ولكي لا نظلم طائفة بعينها نقول هي مناطق مسكونة بأغلبية شيعية،مع وجود أقلية لا يستهان بها من أهل السنة،وهناك مشكلة حقيقية في علاج المرضى ومتابعة الطلاب لتعليمهم يقابلها يسر في تأدية الصلاة وإقامة الشعائر وهناك سعة وفسحة لمثل هذه العبادات يقابلها ضيق وضنك ومتاعب ومشاكل في الحصول على تذكرة المعالجة في المستشفى في الحصول على مقعد بمدرسة.
في إحدى القنوات التلفزيونية يقول أحد المسؤولين في البصرة مجيبا عن سؤال خاص بالحريات المدنية،والتضييق الذي تمارسه القوى الدينية على الناس :" سكان البصرة هم أهل مدينة ذات صفة دينية،محتشمة،متمسكة بتقاليد أهل البيت،محبّون لمجالس العزاء،...."تذكرت هذا وأنا أتجول في شارع الكورنيش ليلة العيد الماضي، وقد غصَّ وتفرعاته الضيقة بما فيها شارع الوطني وشط العرب بالآلاف من الشبان الحلوين،ذوي القصّات الأوربية والملابس الإفرنجية والتركية،مع فرق شعبية من عازفي الطبول،فيهم الكثير من السكارى طبعا،تذكرت مشهدهم الجميل وهم يجوبون الشارع جيئة وذهابا راقصين،مرحين،بحركات بهلوانية من بعضهم وقد أغلقوا عين الأفق بمشهد ظل يتكرر في كل مناسبة مثل العيد والنوروز وفوز الفريق العراقي وغيرها،أتذكر ذلك لأقول ما إذا كانت المئات من دور العبادة هذه مشغولة بهؤلاء أم لا؟ وهل هم بحاجة فعلية لها أم حاجتهم لمستوصف،مدرسة تفوق كل شيء،وهل يعني أن المدينة ذات الطابع الديني بحاجة لهذا العدد الهائل من المساجد والحسينيات أم حاجتها للرعاية الصحية والتعليم هي الأولى لهم،ترى هل التصدي لقضايا مهمة مثل التعليم والصحة والسكن والتطور والمستقبل يتقاطع من وجهة نظر المسؤولين مع بناء الكم الهائل من المساجد والحسينيات ؟
يقول السيد جعفر المظفر،وهو كاتب بصري من سكنة منطقة المعقل:في أيام الطفولة كان إلى جوارنا, جامع لعائلة دينية شيعية معروفة تحرص على أن تجذبنا نحن الصبية والشباب من الأميين ومن أنصاف المتعلمين إلى فناء الجامع وإلى المساحة الخالية أمامه,كان ذلك يحدث في كل مناسبة شيعية...... أما نحن فقد أفهمونا أن محبة الحسين وشفاعته لن ينالها إلا من يدمي ظهره أو صدره أكثر, ومن تحْمّرت عيناه بكاءً إلى درجة العمى....!لكننا يقول المظفر :اكتشفنا أن أبناء القائمين على ذلك الجامع لا تشملهم شروط المحبة الحسينية, فلم يكن من بينهم من شاركنا اللطم أو البكاء, ثم اكتشفنا أن بعضهم يصطاف ويتعلم في أوروبا, أما نحن فكان وصولنا إلى بغداد بمثابة حلم سياحي كبير...!
يعرف سكان البصرة شخصية مزهر الشاوي،الضابط الكبير في حكومة عبد الكريم قاسم،مدير مصلحة الموانئ بداية الستينات من القرن الماضي،وبذلك يقول المظفر: حين كانت أجسادنا المعطوبة باللطم والسلاسل تغطي ساحة الجامع،كان هناك وعلى الطرف الآخر من المشهد يقف رجلان سنيان،من غير سكنة البصرة هما الضابطان الكبيران(نوري فتاح ومزهر الشاوي) يعملان ليل نهار،من أجل بناء مدينة المعقل التي تضم الجامع ذاك,وخلال السنوات الخمس من وقوفنا في الساحة أزال الرجلان مئات الصرائف التي كانت تغطي مدينة المعقل،وبنيا فيها أحياء بمساكن حديثة ومن الطابوق والحديد والاسمنت فكانت شوارع مخططة ومنتزهات عامة،حدائق ونوادي ومسابح وساحات رياضية ومدارس ومستوصفات ومستشفى وكل ما يليق بالإنسان،لم يكن بينهما من لا يحب الله أو يكره الحسين،لكنهما كانا مخلصين حقيقيين لله والوطن وللناس والحسين أيضاً،لم يكونا لصين أبداً.
تذكرنا مقولة المسؤول البصري بجملة(الجمهور عاوز كده) التي أطلقها المخرج المصري جلال عامر،الجملة التي يبرر فيها رداءة الأفلام المصرية،والتي لا تخلو من إصرار على تعمية المواطن واستغفال عواطفه بعيدا عن حاجاته الحقيقية التي تتلخص بالسكن والمدرسة والمستوصف والمستشفى والحديقة العامة والأسواق الحديثة والشارع النظيف ودار السينما والمسرح والأوبرا،ذلك لأن حاجته للمسجد والحسينية لا تتجاوز دخوله لها حيا للصلاة وخروجه منها مكفنا للمقبرة.
المستوصف والمدرسة أم المسجد والحسينية ؟
[post-views]
نشر في: 13 إبريل, 2013: 08:01 م
انضم الى المحادثة
يحدث الآن
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...
جميع التعليقات 1
moon
سوف تترك انقاض لكي تسكن من قبل المتشردين او (الحواسم) كبقايا وانقاض فرق ومنظمات حزب البعث التي اهتمت في بناء وتعديل مقراتها وتركت الشعب يعاني الامرين. على نفس الطريق بسيرون والى نفس النهاية سيصلون لا محال