يربط البعض من العاملين في المسرح بين الخروج على النص الذي يلجأ إليه بعض الممثلين في المسرح التجاري وبين الارتجال ويشيدون بمن يفعله كونه دلالة على سرعة البديهة ونوعا من الإبداع وبذلك يسيئون الى المصطلح او الى التقنية الأدائية التي يلجأ إليها الممثلون في المسرح التجريبي على وجه الخصوص، والملاحظ ان الخروج على النص لا يحدث إلا في عروض المسرحيات التي تنطق باللهجة وليس باللغة القياسية إذ تبقى اللغة الفصحى عصية على أولئك الذين يخرجون على النص بينما تبقى اللهجة أو اللغة العامية الدارجة سهلة المنال ومن هنا ينتج الاستسهال في المسرح التجاري-الرخيص.
الارتجال كمصطلح فني معاصر يرتبط بالابتكار يلجأ إليه الممثلون في المعاهد الفنية وفي بعض الفرق المسرحية لغرض طرح بدائل وخيارات في الأداء الصوتي والجسماني، وله جذوره التاريخية حيث التراجيديا الإغريقية نشأت عند ارتجالات قائد الجوقة في الطقس الديني (الديثيرامي) وتوقف الارتجال او غاب عن المسرح بعد ان كتبت النصوص المسرحية بالشعر في البداية وبالنثر بعدئذ الى ان ظهرت فرق (الكوميديا دي لارتا) الايطالية حيث راح ممثلوها يرتجلون أدوارهم على وفق خطوط عريضة للحكاية يتفقون عليها مسبقاً ومن المعروف ان معظم تقاليد الكوميديا فيما بعد وتقاليد المهرجين في السيرك سمحت للمؤدين ان يؤسسوا علاقة ودية مع الجمهور بواسطة إلقاء (نكات) وطرائف مرتجلة، وقد نصح (هاملت) في مسرحية شكسبير في توجيهاته لفرقة التمثيل التي استدعاها لتمثل حادثة مشابهة لمقتل الملك ابيه ان لا ينطقوا كلاماً غير الذي يكتبه لهم أي أن لا يرتجلوا.
يمكن القول بأن أي عرض مسرحي فيه تفاعل مباشر مع الجمهور يحتمل محتوى مرتجل ولكن الارتجال كصيغة مسرحية منفصلة قد تشكل من خلال تمارين التمثيل في الولايات المتحدة وفي بريطانيا في أواسط القرن العشرين وخصوصاً عندما اشاعته (فيولا سبولين) في كتابها (الارتجال في المسرح) 1963.
عموماً تعتمد صيغة الارتجال على بناء الفعل الدرامي على شكل العاب او وفقاً لقواعد تقليدية تشابه ما كانت تحتويه سيناريوهات الكوميديا دي لارتا، أي الاتفاق على الخطوط العامة للحكاية التي يراد تمثيلها على المسرح، وأصبح الارتجال أحد وسائل تدريب الممثل ليكون تلقائياً في ادائه ويبتعد عن التكلف والاصطناع، ولذلك يتطلب الارتجال عوامل مساعدة هي كالآتي:
1. التخطيط: حيث لابد من وضع خطة عامة في ذهن الممثل المرتجل بعد أن يتوضح له مفهوم الارتجال وأهدافه.
2. المزاج: يجب على الممثل المرتجل ان يقرر مسبقاً الجو النفسي للمشهد الذي يريد أن يرتجله، أي مزاج المشهد هل هو كئيب أم فرح؟
3. الشخصية لابد أن يقرر الممثل مسبقاً نوع الشخصية التي تنفذ الحدث من حيث أبعادها العضوية والاجتماعية والنفسية وطبيعة المواقف التي تمر بها.
ولعل من أهم المصادر التي يمكن للمثل المرتجل ان يرجع إليها ما يأتي:
1. الملاحظة المباشرة، تتكرر إرشادات المدرسين والمخرجين للممثلين بأن يراقبوا الناس وسلوكهم في الحياة اليومية وربما عليهم أيضا ان يراقبوا سلوك الحيوان وما يدور في الطبيعة من ظواهر.
2. الحساسية: ويقصد بها سرعة الاستجابة للمؤثرات الخارجية والمؤثرات الداخلية – الغرائز والأحاسيس والمشاعر- الدوافع.
3. سعة المخيلة، اتسعت مخيلة الممثل كلما استطاع أن ينفذ تمارين الارتجال بدقة وبصدق.
4. تركيز الانتباه، على الممثل المرتجل أن يركز انتباهه أولا على نفسه وفق مبدأ (الهنا والان) أي ماذا يفعل في هذا المكان وفي هذا الوقت.
وان يركز انتباهه ثانياً على الممثلين الموجودين معه سواء كانوا موجودين فعلاً ام يتخيلهم، وعليه ايضاً ان يركز انتباهه نحو جميع الموجودات التي تحيط به.
الارتجال وأهميته في تلقائية أداء الممثل
[post-views]
نشر في: 15 إبريل, 2013: 09:01 م
يحدث الآن
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...