شكّك كثيرون باستمرار الدعم المالي الدولي للسلطة الفلسطينية، بعد استقالة أو "إقالة" رئيس الوزراء سلام فياض، باعتبار أنه الأكثر قبولاً عند مجتمع المانحين، الذين يرون فيه مسؤولاً نزيهاً نظيف اليد، مقبولاً عند الساسة الغربيين، وعند الإسرائيليين، في حين رأى آخرون أن الاستقالة لن تؤثر على علاقة السلطة بالمجتمع الدولي، حيث أن هذه العلاقة لا تتوقف على شخص بعينه، بل هي علاقة بين دول، واعتبر طيف ثالث أنه استعجل استقالته، بعد استمرار حركة فتح في الهجوم عليه، وإظهاره كرجل واشنطن في الضفة الغربية، مشددة أنه أراد التأكيد على أنه ليس باقياً بقوة الأميركيين، وأنه غير متمسك بالمنصب.
معروف أن غياب أو تغييب فياض، بدأ منذ عدة أشهر بالحديث عن سياسته المالية، ووصل الأمر عنده أن الأمور لم تعد تطاق، بعد أن وجد نفسه معزولاً إلى حد كبير، حين شهدت الضفة موجة من الاحتجاجات الاجتماعية ضد حكومته، بسبب ارتفاع الأسعار، والعجز عن دفع رواتب الموظفين، بسبب مشاكل الميزانية الفلسطينية، جرّاء القيود الإسرائيلية، وعدم وفاء الدول المانحة، التي أدركت خطورة الوضع، فتعهدت الشهر الماضي بتعزيز دعمها المالي للسلطة، خصوصاً وأن صندوق النقد الدولي أكّد أنه في حال لم يتغير شيء، فإن نهاية المطاف ستكون التشكيك بشرعية السلطة الفلسطينية، وإجهاض قدرتها على الحكم.
ليس سراً أن واشنطن تدخلت مباشرة لصالح فياض، حتّى أن وزير الخارجية الأميركي اتصل بعباس داعياً لتطويق الأزمة، وأشاد البيت الأبيض بقدراته، ووصفه بالشريك القوي للمجتمع الدولي، والرائد في دعم النمو الاقتصادي، وتكوين الدولة، الضامنة لأمن الشعب الفلسطيني، في حين تبرع ممثل للخارجية الأميركية بالقول إن فياض لن يستقيل، وأنه باق في منصبه، ما دفع عضو مركزية فتح عزام الأحمد، للتعبيرعن شعوره بالمهانة والخجل، جرّاء هذا التدخل السافر، مشيراً إلى أن واشنطن تتدخل في الشؤون العامة لمختلف دول العالم، ولكن ليس على هذا النحو المهين، غير أن موقف فتح كان المرجّح، بسبب ما تراه الحركة مسؤولية مباشرة لفياض عن الأزمات الاقتصادية، وفشله في إدارتها، إضافةً إلى تحميله السلطة ديوناً هائلة، مع الفشل في توفير رواتب الموظفين على مدى أشهر طويلة.
لا يتوقف الأمر في فتح عند الفرح برحيل فياض، فقد صدرت دعوات عن بعض قياداتها، تطالب بمحاسبته عن التراجع في الأوضاع كافةً، بما فيها السياسية، منذ توليه مسؤولياته، معتبرةً أنه مسؤول عن حدوث تشققات وانهيارات اقتصادية في المجتمع الفلسطيني، لا يمكن تجاهلها، غير أن محايدين يؤكدون ضرورة التفريق بين مسألتين، الأولى أنه لا يتحمل أي نتائج نجمت عن سياسات حكومته، كونها تدخل في باب الاجتهاد، والثانية أنه لا بد من إجراء تدقيق وتحقيق قانوني، إذا كانت هناك شكاوى ضدّه، بسبب حدوث تصرف خارج القانون، وعبث بالمال العام، أو شبهة فساد، وذلك مشكوك فيه، رغم اتهام حكومته بانتهاج سياسات اقتصادية واجتماعية خاطئة، وغير ملائمة للوضع الفلسطيني.
يغادر فياض موقعه بعد عجزه عن تحقيق وعوده بتقليل الاعتماد على المساعدات الخارجية بنهاية عام 2013، وهو هدف لم يكن متفقا عليه، لكونه يُسقط حقا فلسطينيا بهذه الأموال ما دام محتلاً، وتترك حكومته موقعها مخلفةً عجزاً في الميزان التجاري وصل إلى حوالي أربعة مليارات دولار، ولن يكون لغيابه تأثير صاعق، فالقضية الفلسطينية أكبر من الأشخاص، حتى وإن تمتعوا بدعم خارجي كالذي كان لفياض، وحتى لو رأى البعض في "إقالته" خطأ كبيراً ومؤامرة فتحاوية، أو أن هذا الإجراء كان صراعاً بين متنفذين فتحاويين لحماية مصالحهم.
حازم مبيضين
[post-views]
نشر في: 15 إبريل, 2013: 09:01 م