في حادثة أعادت الأميركيين إلى أجواء تفجيرات أيلول الإرهابية، انفجرت عبوتان ناسفتان عند خط النهاية لماراثون بوسطن، الذي انطلق قبل 117 عاماً، وثالثة في مكتبة كندي القريبة من الموقع، وإذا كان عدد الضحايا قليلاً، فإن دلالات هذا العمل الإرهابي كبيرة ومؤثرة، وأهمها أن نمط التفكير المؤمن بالإرهاب مازال متوفراً، وقادراً على الضرب في الأماكن الحساسة، وفي الوقت الذي يراه أكثر تأثيراً في نفوس المستهدفين.
كان طبيعياً أن يتعهد الرئيس باراك أوباما بمعرفة الإرهابيين الجناة ومعاقبتهم، دون تسرع في الاستنتاجات قبل معرفة كل الحقائق عن التفجير، والتأكد ما إذا كانت جماعة إرهابية أجنبية أو محلية خططت له ونفذته، بالطبع لا يمكن مقارنة هذا التعهد بما اعتدناه من الناطق باسم عمليات بغداد بعد كل تفجير يستهدف المدنيين العراقيين.
أصداء تفجيرات بوسطن لم تتوقف عند المدن الأميركية الرئيسية، حيث عززت شرطة لوس أنجلوس ومدينة نيويورك وواشنطن إجراءاتها الأمنية، ووصلت سريعاً إلى لندن، فأعلنت الشرطة البريطانية أنها تراجع الخطط الأمنية لماراثون لندن، المنوي إقامته الأحد المقبل، وكان الحال مشابهاً في فرنسا، فقد أمر وزير الداخلية الفرنسي قوات الأمن بتعزيز الدوريات الأمنية بدون تأخير في كل أنحاء البلاد، داعياً كل المواطنين إلى اليقظة، إزاء احتمال وجود طرود مشبوهة، أو حقائب متروكة، ولكن من دون الاستسلام للهلع.
إسرائيل التي ترى نفسها بؤرة العالم، والموقع الأكثر أهمية في الكون، اعتبرت أن الحادث ليس عرضياً، وربطته بزيارة أوباما لها، وتأكيده دعمه اللامحدود لسياساتها، وفوراً تلقفت صحيفة ''نيويورك بوست'' الأمريكية هذا الفهم، فنشرت أن قوات الأمن ألقت القبض على أحد المشتبه بهم بالتورط في التفجيرات، وتبين أنه سعودي الجنسية، ويبغ من العمر 20 عاما، لكن المسؤولين الأميركيين، وعلى أكثر من مستوى، أكدوا عدم القبض على أي مشبوه.
بالتأكيد سيتأثر الاقتصاد الأميركي بالحادث، وهو لم يتعاف بعد من أزمته، فقد تفاقمت خسائر مؤشرات الأسهم الأميركية، وسجل مؤشر ستاندرد أند بورز أسوأ يوم له في أكثر من أربعة أشهر، وختم مؤشر داو جونز الصناعي التداول منخفضاً، وكذلك مؤشر ستاندرد أند بورز الأوسع نطاقاً، فيما هبط مؤشر ناسداك لشركات التكنولوجيا، ويعد هذا الهبوط الأكبر منذ بداية العام الجاري، وعرفت الساعة الأخيرة من التداول في بورصة وول ستريت خسارة مؤشر ستاندرد أند بورز 14 نقطة، وكل ذلك بعد ساعات قليلة من وقوع التفجير، ما يدفع لتوقع الأسوأ.
ومع التعليقات الشامتة والساخرة، التي حفلت بها مواقع التواصل الاجتماعي، وحملت توقيعات مؤيدين للنظام السوري، فإن البعض لم يستبعد مشاركة المخابرات السورية في هذه التفجيرات، لمنع التدخل الأميركي في شؤون سوريا الخاصة، في حين رأى بعض الجهاديين المبتهجين، أن التفجيرات ليست غير محاولة أميركية، لتشويه ثورات الربيع العربي.
عند وقوع تفجيرات أيلول الإرهابية في نيويورك، قيل إن العالم بعدها لن يظل كما كان قبلها، وشهدنا صحّة هذه المقولة في أكثر من موقع، واليوم يردد البعض نفس المقولة، وبما يعني أن على الكثيرين تحسس رؤوسهم، حتّى وإن لم يكونوا على علاقة مباشرة بتفجيرات بوسطن.