شهدت جمهورية الدومينيكان في العام 2003 أسوأ أزمة مالية في تاريخها ، وذلك اثر انهيار مصرف " بانكو انترناشيونال" المعروف باسم " بانيتر " الذي يعتبر ثاني أضخم مصرف تجاري غير حكومي في الدومينيكان ، حيث أدت عمليات الاحتيال وغسل الأموال الى إصابة المصرف بع
شهدت جمهورية الدومينيكان في العام 2003 أسوأ أزمة مالية في تاريخها ، وذلك اثر انهيار مصرف " بانكو انترناشيونال" المعروف باسم " بانيتر " الذي يعتبر ثاني أضخم مصرف تجاري غير حكومي في الدومينيكان ، حيث أدت عمليات الاحتيال وغسل الأموال الى إصابة المصرف بعجز مالي بلغ المليارين والمئتي مليون دولار أميركي وهو ما يعادل 12% الى 15% من إجمالي الإنتاج المحلي في تلك الجمهورية.
احدث إفلاس هذا المصرف تأثيرات سلبية عديدة في الدومينيكان ليس على المستويين الاقتصادي والمالي فقط ، بل وعلى المستويين السياسي والاجتماعي أيضاً ، حيث عانت هذه الدولة من أول انكماش اقتصادي حقيقي خلال ثلاثين سنة ، نجم عنه زيادة في ديونها وتدهور عملتها المحلية " البيزو" التي انخفضت قيمتها بنسبة 100% إضافة الى إصابة العديد من البنوك الأخرى بأضرار متنوعة .
وقد كشف مراقبو الحسابات الذين عينتهم السلطات الحكومية ، لمعرفة أسباب إفلاس البنك عن حدوث اختلاسات مالية وعمليات احتيال ، خلال السنوات الثلاث عشرة الماضية ، والتي أدت بمصرف " بانينتر" الى إعلان إفلاسه ، حيث قام بنك " سكوتيا" الكندي بشراء بعض من اصوله خلال عملية التصفية .
كما ارجع المراقبون أسباب انهيار البنك الى إدارته السيئة والممارسات غير القانونية ، التي أثرت على بنكين آخرين ، يمثلان 10% من إجمالي الودائع ، يعود إنشاء مصرف بانينتر الى العام 1986 من قبل راموا بايز وهو رجل أعمال ووزير صناعة سابق ، حيث تولى ابنه فيغروا إدارة المصرف وتطويره ليصبح ثاني أضخم مصرف تجاري غير حكومي في الدومينيكان ، واستعان في عمله بالكثير من أفراد عائلته وأصدقائه ، تسانده مجموعة إعلامية ضخمة ضمت صحيفة " ليستين دياريو" أقدم وأشهر صحيفة في البلاد وأربع محطات تليفزيونية ، إضافة الى أكثر من سبعين محطة إذاعية .
ومع الوقت أصبح فيغروا من أكثر الشخصيات نفوذا في الدومينيكان ، وفي حفل زفافه الباذخ دعا اثنين من الرؤساء السابقين ليكونا شاهدي زواجه ، وفي نهاية العام 2000 تقدم باقتراح لإنشاء برنامج اقتصادي وطني ، وهو أمر جعله يحظى بإشادة كبيرة من الرئيس في ذلك الوقت .
ومع بداية العام 2002 بدأت الشائعات تنتشر حول وجود أعمال مشبوهة في مصرف " بانينتر" ، وذلك اثر قيام فيغروا بشراء يخت بمبلغ 14 مليون دولار ، إضافة الى انه كان ينفق شهريا نحو مليون دولار .
ورغم ان الكثيرين بدأوا يتحدثون عن مصادر ثروة هذا الشاب ، الا ان احدا منهم لم يفكر ولو للحظة واحدة ان فيغروا يقوم بسرقة مصرفه وما يحتويه من أموال الآخرين .
وفي خريف العام ذاته ، انتشرت الاخبار عن مواجهة " بانينتر" للكثير من المصاعب ، الامر الذي دفع عملاء البنك الى سحب ودائعهم ومدخراتهم .
البنك المركزي في الدومينيكان ، سعى من جهته الى تقدم الدعم لمصرف " بانينتر" في قطاع الائتمان بينما اعلنت الحكومة في بداية العام 2003 ، وفي محاولة لايجاد حل دائم لازمة هذا المصرف ان بنك " ديل بروغريسو" سيشتريه ، الا ان هذا البنك انسحب فجأة من صفقة الشراء .
وفي السابع من نيسان للعام 2003 ، وضعت حكومة الدومينيكان يدها على مصرف " بانينتر" الذي كان فيغروا واسرته يملكون اكثر من 80% من اسهمه ، حيث شارك كل من " صندوق النقد الدولي " ، وبنك " انتر-اميركان للتنمية " في فحص سجلات المصرف ، واعلنوا ان ازمة مالية خطيرة حلت به .
وفي الخامس عشر من أيار من العام ذاته تم إلقاء القبض على فيغروا ونائب مدير المصرف وسكرتير مجلس الإدارة ، إضافة الى خبير مالي يعمل معهم حيث وجهت إليهم العديد من التهم منها : الاحتيال وغسل الاموال واخفاء المعلومات عن الحكومة ، واعداد وتنفيذ خطة أدت الى سرقة وضياع مليارين ومئتي مليون دولار ، وهو مبلغ يعادل ثلثي ميزانية الدولة .
وقد تسببت هذه الأزمة في ارتفاع معدل التضخم ليتجاوز الثلاثين بالمئة ، وازدادت رقعة الفقر بين السكان ، واضطرت الحكومة الى تخفيض قيمة عملتها ، وتأجيل سداد قرض عليها بلغ 600 مليون دولار ، لصندوق النقد الدولي إضافة الى تعرض مصرفين آخرين للانهيار .
ورغم ان القوانين النقدية في الدومينيكان تسمح للحكومة بتقديم ضمان للودائع الشخصية في البنوك لمبلغ لا يتجاوز 21 ألف دولار لكل وديعة ، الا ان البنك المركزي اختار ان يقدم ضمانة للمبلغ الاجمالي الذي يمتلكه مصرف "بانينتر" وهو ملياران ومئتا مليون دولار ، من دون معرفة ما اذا كان هذا المبلغ يوجد داخل الدومينيكان ام كان موزعا على فروع البنك في جزر الكايمان وبنما ، حيث ادت هذه الخطوة الى ارتفاع معدل التضخم وتدهور الوضع المالي للدولة .
واشارت الحكومة في ذلك الوقت الى انها قامت بدفع الاموال الى المودعين بهدف حماية نظام المصارف في البلاد ، وعدم تعرضه لفقدان الثقة من قبل الجمهور والمؤسسات ، الا ان هذه الخطوة لم تكن ذات نتيجة ايجابية ملموسة ، حيث اضطرت الحكومة الى وضع خطة اقتصادية تقشفية في البلاد .
ومع انعقاد جلسات المحكمة في نيسان 2006 ، تم توجيه تهم عديدة لبايز فيغروا وابن عمه ماركوس بايز وبعض مساعديهما ، ومن هذه التهم الاحتيال وغسل الاموال ، حيث تمكن محامو فيغروا من تأجيل الجلسات عدة مرات .
وفي تشرين الأول عام 2007 حكم على فيغروا بالسجن عشر سنوات وان يدفع مبلغا يقدر بـ 63 مليار بيزو كتعويض ، بينما اسقطت عنه تهمة غسل الاموال .
وقد أثار هذا الحكم ضجة كبيرة على المستوى العام ، اذ وجهت الاتهامات الى بعض القضاة ، بانهم خضعوا لضغوط من قبل بعض مراكز القوى والنفوذ ، كما تحدث الصحفي ميغويل جيريرو في صحيفة " الكايبي" عن تمتع المحتالين في أزمة " بانينتر" بحماية بعض القوى الاقتصادية والسياسية ، وان الحكم الذي صدر ضدهم كان مخففا ولمجرد ذر الرماد في العيون ، وان الجميع كانوا يدركون انه لن يصدر الحكم المناسب والرادع ضد من ذهبوا بالدولة الى الهاوية .
وعند تقديم استئناف في المحكمة في شباط من العام 2008 ضد هذه الأحكام أيدت المحكمة ، الحكم الصادر ضد فيغروا وخففت احكاما صادرة ضد بعض مساعديه ، كما أسقطت تهما عن آخرين .
وفي تموز من العام نفسه صدقت " المحكمة العليا " على هذه الأحكام .
ما أصدرته المحكمة من قرارات لم يغلق ملف مصرف " بانينتر" في نظر البعض ، اذ ان آثاره السلبية والمدمرة على الحياة الاقتصادية والاجتماعية في الدومينيكان لا تزال مستمرة ، حيث يرى الكثير من المراقبين ، انه سيكون من الصعب إزالة آثار هذه الأزمة في دولة تصنف ضمن الدول الفقيرة في العالم .
جميع التعليقات 1
ابراهيم
هناك ا لديهلكثير مثل هذا اللص في العراق غير ان لديهم احزاب تحميهم