TOP

جريدة المدى > ناس وعدالة > المصرفي الذي دمر بلده

المصرفي الذي دمر بلده

نشر في: 21 إبريل, 2013: 09:01 م

شهدت جمهورية الدومينيكان في العام 2003 أسوأ أزمة مالية في تاريخها ، وذلك اثر انهيار مصرف " بانكو انترناشيونال" المعروف باسم " بانيتر " الذي يعتبر ثاني أضخم مصرف تجاري غير حكومي في الدومينيكان ، حيث أدت عمليات الاحتيال وغسل الأموال الى إصابة المصرف بع

شهدت جمهورية الدومينيكان في العام 2003 أسوأ أزمة مالية في تاريخها ، وذلك اثر انهيار مصرف " بانكو انترناشيونال" المعروف باسم " بانيتر " الذي يعتبر ثاني أضخم مصرف تجاري غير حكومي في الدومينيكان ، حيث أدت عمليات الاحتيال وغسل الأموال الى إصابة المصرف بعجز مالي بلغ المليارين والمئتي مليون دولار أميركي وهو ما يعادل 12%  الى 15% من إجمالي الإنتاج المحلي في تلك الجمهورية.

احدث إفلاس هذا المصرف تأثيرات سلبية عديدة في الدومينيكان ليس على المستويين الاقتصادي والمالي فقط ، بل وعلى المستويين السياسي والاجتماعي أيضاً ، حيث عانت هذه الدولة من أول انكماش اقتصادي حقيقي خلال ثلاثين سنة ، نجم عنه زيادة في ديونها وتدهور عملتها المحلية " البيزو" التي انخفضت قيمتها بنسبة 100% إضافة الى إصابة العديد من البنوك الأخرى بأضرار متنوعة .

وقد كشف مراقبو الحسابات الذين عينتهم السلطات الحكومية ، لمعرفة أسباب إفلاس البنك عن حدوث اختلاسات مالية وعمليات احتيال ، خلال السنوات الثلاث عشرة الماضية ، والتي أدت بمصرف " بانينتر" الى إعلان إفلاسه ، حيث قام بنك " سكوتيا" الكندي بشراء بعض من اصوله خلال عملية التصفية .

كما ارجع المراقبون أسباب انهيار البنك الى إدارته السيئة والممارسات غير القانونية ، التي أثرت على بنكين آخرين ، يمثلان 10% من إجمالي الودائع ، يعود إنشاء مصرف بانينتر الى العام 1986 من قبل راموا بايز وهو رجل أعمال ووزير صناعة سابق ، حيث تولى ابنه فيغروا إدارة المصرف وتطويره ليصبح ثاني أضخم مصرف تجاري غير حكومي في الدومينيكان ، واستعان في عمله بالكثير من أفراد عائلته وأصدقائه ، تسانده مجموعة إعلامية ضخمة ضمت صحيفة " ليستين دياريو" أقدم وأشهر صحيفة في البلاد وأربع محطات تليفزيونية ، إضافة الى أكثر من سبعين محطة إذاعية .

ومع الوقت أصبح فيغروا من أكثر الشخصيات نفوذا في الدومينيكان ، وفي حفل زفافه الباذخ دعا اثنين من الرؤساء السابقين ليكونا شاهدي زواجه ، وفي نهاية العام 2000 تقدم باقتراح لإنشاء برنامج اقتصادي وطني ، وهو أمر جعله يحظى بإشادة كبيرة من الرئيس في ذلك الوقت .

ومع بداية العام 2002 بدأت الشائعات  تنتشر حول وجود أعمال مشبوهة في مصرف " بانينتر" ، وذلك اثر قيام فيغروا بشراء يخت بمبلغ 14 مليون دولار ، إضافة الى انه كان ينفق شهريا نحو مليون دولار .

ورغم ان الكثيرين بدأوا يتحدثون عن مصادر ثروة هذا الشاب ، الا ان احدا منهم لم يفكر ولو للحظة واحدة ان فيغروا يقوم بسرقة مصرفه وما يحتويه من أموال الآخرين .

وفي خريف العام ذاته ، انتشرت الاخبار عن مواجهة " بانينتر" للكثير من المصاعب ، الامر الذي دفع عملاء البنك الى سحب ودائعهم ومدخراتهم .

البنك المركزي في الدومينيكان ، سعى من جهته الى تقدم الدعم لمصرف " بانينتر" في قطاع الائتمان  بينما اعلنت الحكومة في بداية العام 2003 ، وفي محاولة لايجاد حل دائم لازمة هذا المصرف ان بنك " ديل بروغريسو" سيشتريه ، الا ان هذا البنك انسحب فجأة من صفقة الشراء .

وفي السابع من نيسان للعام 2003 ، وضعت حكومة الدومينيكان يدها على مصرف " بانينتر" الذي كان فيغروا واسرته يملكون اكثر من 80% من اسهمه ، حيث شارك كل من " صندوق النقد الدولي " ، وبنك " انتر-اميركان للتنمية " في فحص سجلات المصرف ، واعلنوا ان ازمة مالية خطيرة حلت به .

وفي الخامس عشر من أيار من العام ذاته تم إلقاء القبض على فيغروا ونائب مدير المصرف وسكرتير مجلس الإدارة ، إضافة الى خبير مالي يعمل معهم حيث وجهت إليهم العديد من التهم منها : الاحتيال وغسل الاموال واخفاء المعلومات عن الحكومة ، واعداد وتنفيذ خطة أدت الى سرقة وضياع مليارين ومئتي مليون دولار ، وهو مبلغ يعادل ثلثي ميزانية الدولة .

وقد تسببت هذه الأزمة في ارتفاع معدل التضخم ليتجاوز الثلاثين بالمئة ، وازدادت رقعة الفقر بين السكان ، واضطرت الحكومة الى تخفيض قيمة عملتها ، وتأجيل سداد قرض عليها بلغ 600 مليون دولار ، لصندوق النقد الدولي إضافة الى تعرض مصرفين آخرين للانهيار .

ورغم ان القوانين النقدية في الدومينيكان تسمح للحكومة بتقديم ضمان للودائع الشخصية في البنوك لمبلغ لا يتجاوز 21 ألف دولار لكل وديعة ، الا ان البنك المركزي اختار ان يقدم ضمانة للمبلغ الاجمالي الذي يمتلكه مصرف "بانينتر" وهو ملياران ومئتا مليون دولار ، من دون معرفة ما اذا كان هذا المبلغ يوجد داخل الدومينيكان ام كان موزعا على فروع البنك في جزر الكايمان وبنما ، حيث ادت هذه الخطوة الى ارتفاع معدل التضخم وتدهور الوضع المالي للدولة .

واشارت الحكومة في ذلك الوقت الى انها قامت بدفع الاموال الى المودعين بهدف حماية نظام المصارف في البلاد ، وعدم تعرضه لفقدان الثقة من قبل الجمهور والمؤسسات ، الا ان هذه الخطوة لم تكن ذات نتيجة ايجابية ملموسة ، حيث اضطرت الحكومة الى وضع خطة اقتصادية تقشفية في البلاد .

ومع انعقاد جلسات المحكمة في نيسان 2006 ، تم توجيه تهم عديدة لبايز فيغروا وابن عمه ماركوس بايز وبعض مساعديهما ، ومن هذه التهم الاحتيال وغسل الاموال ، حيث تمكن محامو فيغروا من تأجيل الجلسات عدة مرات .

وفي تشرين الأول  عام 2007 حكم على فيغروا بالسجن عشر سنوات وان يدفع مبلغا يقدر بـ 63 مليار بيزو كتعويض ، بينما اسقطت عنه تهمة غسل الاموال .

وقد أثار هذا الحكم ضجة كبيرة على المستوى العام ، اذ وجهت الاتهامات الى بعض القضاة ، بانهم خضعوا لضغوط من قبل بعض مراكز القوى والنفوذ ، كما تحدث الصحفي ميغويل جيريرو في صحيفة " الكايبي" عن تمتع المحتالين في أزمة " بانينتر" بحماية بعض القوى الاقتصادية والسياسية ، وان الحكم الذي صدر ضدهم كان مخففا ولمجرد ذر الرماد في العيون ، وان الجميع كانوا يدركون انه لن يصدر الحكم المناسب والرادع ضد من ذهبوا بالدولة الى الهاوية .

وعند تقديم استئناف في المحكمة في شباط من العام 2008 ضد هذه الأحكام أيدت المحكمة ، الحكم الصادر ضد فيغروا وخففت احكاما صادرة ضد بعض مساعديه ، كما أسقطت تهما عن آخرين .

وفي تموز من العام نفسه صدقت " المحكمة العليا " على هذه الأحكام .

ما أصدرته المحكمة من قرارات لم يغلق ملف مصرف " بانينتر" في نظر البعض ، اذ ان آثاره السلبية والمدمرة على الحياة الاقتصادية والاجتماعية في الدومينيكان لا تزال مستمرة ، حيث يرى الكثير من المراقبين ، انه سيكون من الصعب إزالة آثار هذه الأزمة في دولة تصنف ضمن الدول الفقيرة في العالم .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. ابراهيم

    هناك ا لديهلكثير مثل هذا اللص في العراق غير ان لديهم احزاب تحميهم

يحدث الآن

بايدن: اتفاق غزة بات أقرب من أي وقت مضى

خرائط وبيانات ملاحية ترصد 77 خرقاً "إسرائيلياً" لأجواء أربعة دول عربية منذ تهديد إيران

مشعان الجبوري يخاطب "السيادة": اعتذروا والا

أمر قبض ومنع سفر لـ"زيد الطالقاني"

برلماني يكشف آخر مستجدات منصب رئيس البرلمان

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

جانٍ .. وضحية: مدفع السحور.. جاء متأخراً !!

جانٍ .. وضحية: مدفع السحور.. جاء متأخراً !!

كانت ليلة من ليالي رمضان، تناول الزوج (س) فطوره على عجل وارتدى ملابسه وودّع زوجته، كان الأمر عادياً، لكن لسبب تجهّله، دمعت عينا الزوجة. ابتسم في وجهها وهَمَّ بالخروج الى عمله بمحطة الوقود الخاصة...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram