TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > هل هناك حقاً ثقافة عراقية فـي "المنفى"؟

هل هناك حقاً ثقافة عراقية فـي "المنفى"؟

نشر في: 30 أكتوبر, 2009: 04:26 م

شاكر لعيبي   لعلّ الأوان قد حان الآن لأن يقيم الوطن الأمّ، على أرضه، مهرجاناً احتفالياً كبيراً للثقافة العراقية في المنفى. لا اتفاقَ، على حدّ علمنا، على مفردة (المنفى) في الأدبيات العراقية الحالية. إنها ترنّ بشجن شعريّ وإنسانيّ في أذهان البعض،
وهي لا تعني شيئاً موضوعياً لدى البعض طالما أن غالبية الخارجين خرجوا طواعية ولم يُقذفوا بعيداً عن وطنهم مكبلين بالأصفاد، على طريقة الدولة العثمانية، لذا يفضّلون مفردة (الاغتراب) و(الأديب المغترب). هذه الأخيرة تبدو في عيون أولئك مشحونة بعاطفة شبه رومانسية بل كأنها فعل إرادي لم يكن للحظة، من وجهة نظر المناوئين للمفردة، محض فعل إرادي. قد تؤكد القراءة الزمنية التي تتابع ظهور واستخدام المفردتين منذ سنوات الثمانينيات أن (المنفى) من اختراع المعارضة (اليسارية) الأولى التي خرجت أو أخرجت عنوة من البلد في نهاية السبعينيات، في حين أن (الاغتراب) هو من استخدامات سنوات التسعينيات ومن أطراف عدة، بعضها حسن النيات، والآخر كان يغترف، بحسن طوية أو بسوء، من سياسات ومفردات الحقبة السابقة. لعلنا نستثني هنا مجلة "الاغتراب الأدبي" لصلاح نيازي وسميرة المانع لأن اغترابها ذو معنى أدبيّ ووجوديّ في الغالب. مفردة المنفى اُسْتلهمتْ من الحالة الأمريكية اللاتينية ذات الصراعات العنيفة التي دفعت بجمهرة من مثقفي القارة، قسراً، إلى المنافي. وأيضا من تجربة الحرب الأهلية الإسبانية التي قادتْ قبل ذلك إلى النتيجة نفسها. اعتبر المثقفون الأسبان المعارضون لفرانكو كما مثقفو أمريكا اللاتينية أن خروجهم من بلدانهم لم يكن (بالتراضي) إنما (بالعنف) الصريح والمقنَّع. من البداهة أن يكون العنف المقنَّع أشدّ وطأة من مثيله الصريح في الحالات الإبداعية المحض لأسباب لن يجهلها أحد. بينما تبدو مفردة الاغتراب وكأنها موصولة بتجربة الهجرة والمهجر الأدبية المسترخية إلى الأمريكيتين (اللبنانية مثلا) حتى أنه يمكن القول بوجود علاقة سيميائية بين مصطلحي (المهجر) و(الاغتراب) لا وجود لشبيهها بين مفردتي (المهجر) و(المنفى). الاغتراب مفهوم مُلطّف للظلم الأساسيّ الباعث على الهجرة. لكن المنفى مفهوم متوتر يتضمّن الدفعَ دفعاً لنفي الكائن الإنساني غير المرغوب به. الاغتراب خيار مثل الهجرة بينما المنفى فليس خياراً إلا في حدوده الدنيا. ليست إقامة المثقفين العراقيين في أقطاب الدنيا اغتراباً سعيدا يتجدّد الروح الإنساني فيه على الدوام، وليس مهجراً أدبياً قام لأسبابٍ اقتصادية أو ثقافية طوعية كما في حالة أدباء المهجر اللبنانيين. بيتا أبي تمام الشهيرين: وَطُولُ مُقَامِ الْمَرءِ في الْحَيِّ مُخْلِقٌ لديباجتَيْهِ، فَاغتْتَرِبْ تَتَجَدَّدِ فَإنِّي رَأَيْتُ الشَّمْسَ زيدَتْ مَحَبَّةً إلى النَّاسِ أنْ لَيْسَتْ عَلَيْهِم بِسَرْمَد لا ينطبقان على المثقف العراقي الذي لم يختر تجديد طلعته، ولم يتغرّب قصد أن ينفح روحا أخرى في كينونته كما يقول أبو تمام. إقامتهم بعيداً حالة خاصة، تتضمن شيئا من فكرة الإقصاء. لقد اُقصي بوضوح شديد مجموعة كبيرة من مثقفي البلد عن الثقافة المحلية لمدة قاربت الثلاثين عاما، وهي فترة جد طويلة. إن نتائج هذا الإقصاء تظهر الآن بوضوح: سواء بالريبة من مثقفي المنافي المقالة صُراحاً في أدبيات كثيرة، أو الترحيب بهم كأنهم من الأجانب الذين سيساهمون في تنمية مشاريع الإعمار القادم، أو بانشقاق أدباء المنافي أنفسهم ثقافياً واعتبارهم لأنفسهم حالة استثنائية، إذا لم نقل كفاءات متطورة يتوجب التحسّب أمامها. في الحالات جميعا فإن هذا الإقصاء الموضوعي قاد إلى التغافل عن السياقات التي تطور بها أدب المنافي الوفير وأحيانا تجاهله برمته. تجاهله وليس الجهل به. بعبارة أخرى عدم معرفته حقاً بهذا الحد أو ذاك: فقد واصلت الثقافة في العراق طريقها طيلة الثلاثين عاما الماضية في داخل البلاد دون أن تضع غالبيتهم في الحسبان. وهو ما يبرهن عليه المنشور والمطبوع والمنقود في البلاد خلال السنوات الطوال تلك. هذه الهوة الموضوعية يجب تجسيرها، ليس بالكلام لكن بالفعل. فإن إحصائية نأمل أن يقوم بها أحد المعنيين للكتب التي صدرت في المنفى للأدباء العراقيين ستبرهن في الأقل على (حجم وكمية) المنجز المجهول في البلد، أو الذي لم يتصل به إلا سماعاً. وإن منجز السينمائيين والتشكيليين (النوعية) المفترَضة هذه المرة، المتخالِفة كما تبرهن الكثير من الوقائع والجوائز الممنوحة لها مع المعروف المهيمن، ستقيم الحجة على نسبية تماثل الثقافة العراقية في جميع الأحوال التي لا دليل عليها. الفكرة الأخيرة لا حجة لصالحها، على كل حال، في العراق حيث الاختلاف في النصوص قادم من التنوع الجغرافي والثقافي الذي منح، هو نفسه، وليس شيئا سواه، حيوية الأدب العراقي الفائقة. يتوجّب الآن، بعد أن هدأت الخواطر، أن يقام اعتبار حقيقيّ للأدب والثقافة العراقيين في المنفى. هناك ما يستحق أن يُصغى إليه، وهناك مسافة يتوجب اجتيازها وحفرة يجب ردمها، رويداً رويداً، لكي تعاود الثقافة العراقية ترميم المشتت من قطعها المتناثرة رغماً عنها. لتلك الاعتبارات جميعها يبدو مشروعا التفكير بمهرجان كبير للثقافة العر

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

مطلع الشهر المقبل.. انطلاق معرض العراق الدولي للكتاب

مطلع الشهر المقبل.. انطلاق معرض العراق الدولي للكتاب

بغداد/ المدى تنطلق فعاليات الدورة الخامسة من معرض العراق الدولي للكتاب، في الفترة (4 – 14 كانون الأول 2024)، على أرض معرض بغداد الدولي.المعرض السنوي الذي تنظمه مؤسسة (المدى) للإعلام والثقافة والفنون، تشارك فيه...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram