حتى الذين سيحتلون أكبر عدد من مقاعد مجالس المحافظات لا ينبغي لهم أن يطيروا فرحاً بالنتيجة، ففوزهم ليس من النوع الذي يُفاخر به، ذلك أن أكثر من نصف عدد الناخبين قد قاطع العملية الانتخابية، وهذا ما كان متوقعاً بقوة قبل أن تبدأ الانتخابات، فقد كان واضحاً أن المزاج الشعبي العام مناهض للانتخابات، وقد كتبنا وغيرنا عن هذا قبل الانتخابات.
لماذا أحجمت أغلبية العراقيين عن الإدلاء بأصواتها؟
لم يكن ذلك بسبب الخوف من الإرهاب، فالتحدي الشعبي للإرهاب أكثر وضوحاً من تحدي الدولة التي تمتلك كل الإمكانيات الكفيلة بدحر الإرهاب، لكنها تعجز لأسباب تختلط فيها الطائفية السياسية بالفساد المالي والإداري وبسوء الإدارة. الناس مصرون على عيش حياتهم برغبة وحيوية برغم معرفتهم أن الإرهاب كامن لهم في كل زاوية ومنعطف، وان الدولة عاجزة عن حمايتهم.
مقاطعة أغلبية العراقيين للانتخابات تعكس أولاً وقبل كل شيء ضعف الثقة بمفوضية الانتخابات التي أثبتت هذه المرة أيضاً أنها غير مستقلة عن نفوذ الحكومة ولا عن نفوذ الأحزاب التي ينتمي إليها بعض أعضاء مجلس المفوضية، فالمفوضية لم تتخذ كل الإجراءات الضرورية لتيسير وصول الناخبين الى مراكز الانتخاب وتمكينهم من ممارسة حقهم الدستوري، ولم تضمن أن تكون الانتخابات نزيهة. هذه المفوضية تهاونت في أداء دورها المطلوب كرمى لعيون الحكومة وللأحزاب المتنفذة فيها، ومارست التدليس والتضليل، وآخر أضاليلها تمثّل في إعلانها أن نسبة التصويت كانت 50 بالمئة فيما هي 46 بالمئة (النسبة الحقيقية أقل في الواقع فكثير من المقترعين لم يصوتوا لأحد وتركوا إشارات احتجاج على استمارات التصويت، وهم فعلوا هذا حتى لا يجري تزييف إرادتهم). وقد أعلنت المفوضية أن نسبة التصويت المتدنية "مقبولة" في ظل ظروف العراق الراهنة، وهذا غير صحيح لأن العراقيين سبق وأن أقبلوا على الاقتراع بنسبة أكبر في ظروف مشابهة أو أسوأ عندما كانت مراكز الانتخاب تتعرض للهجمات الانتحارية وللقصف بالقذائف القاتلة.
ونتيجة انتخابات السبت تعكس أيضاً طلاقاً واضحاً بين أغلبية العراقيين والطبقة السياسية المتسلطة عليهم منذ ثماني سنوات، وهو طلاق تتسع قاعدته لتشمل النظام السياسي المعتمد القائم على المحاصصة الطائفية والقومية.
انتخابات السبت أنفقت فيها أموال طائلة، معظمها منهوب من مال الشعب بصورة من الصور، وكان الأولى صرف هذه الأموال لرفع المستوى البائس للخدمات العامة، وتمكين العاطلين عن العمل والأرامل والأيتام والمعدمين وضحايا الارهاب من العيش بكرامة، فهذا أنفع للشعب من إعادة إنتاج الطبقة السياسية نفسها ووضع السلطة من جديد في أيدي الذين اثبتوا فشلهم الذريع في الإدارة وكفاءتهم في السطو على المال العام واغتيال أحلام الناس وآمالهم وطموحاتهم.
الشعب يقاطع .. وهم يفوزون!
[post-views]
نشر في: 21 إبريل, 2013: 09:01 م
جميع التعليقات 3
المدقق
كلي بروح ابوك اذا ماكو انتخابات لعد منين نجيب ناس ونحطهم بمجالس المحافظات ؟؟ عمي روحو بيعو لبلبي احسن الكم وعوفوا هالشغلة للناس المختصين واريحونا من كلامكم المقييييت ...
أحمد هاشم الحسيني
هذا ليس مبررا كافيا للطعن بشرعية الإنتخابات والمجالس المنبثقة عنها وكما تعلم ففي بريطانيا بلد الديمقراطية العريق لم تصل الإنتخابات الماضية الى عتبة الاربعين بالمائة من المشاركين بمعنى أن غالبية الشعب قد عزفت عن المشاركة ولم يقل أحد بأن الحكومة لا تمتلك ك
كاطع جواد
انا شخصيا ارى ان مجالس المحافظات وحتى مجلس النواب هي عبارة عن دكاكين عملها ليس خدمة الشعب كما هو حاصل في الدول الاخرى بل هو نهب موال الشعب تحت مسميات كاذبة ( ممثلي الشعب) هذه الحقيقة المرة أدركها اغلب العراقيون وهذا ما شاهدناه من عزوف العراقيون عن الذها