قرأت الخبر الذي نشرته (المدى برس) يوم الأحد الماضي وهو يحمل رسالة التضامن، الموثقة بالصورة، لعمر ورضا الطفلين العراقيين، في حركة معبرة عن تعازيهما لأهالي الضحايا في بوسطن المدينة الأمريكية الذين سقطوا نتيجة تفجير إرهابي.
مدينة لندن، بدورها، تضامنت بشكل مختلف مع ضحايا بوسطن بإن أقامت سباقاً للماراثون تحدياً للإرهاب وبعث رسالة بريطانية، من العاصمة، ليس إلى أهل بوسطن، وحدهم، إنما إلى العالم بأسره مفادها الشعور الحقيقي بوحدة الألم البشري.
شخصياً، تسلمت رسالة الطفلين العراقيين، عمر ورضا – وللإسمين دلالة وطنية عابرة للطوائف المتآخية أو المتصارعة – تسلمتها بمعنى ثالث يشير إلى إدراك الأطفال العراقيين للألم مهما كان مصدره أو هدفه أو شكله، عندما تكون البراءة بديلاً للآيديولوجيا اليومية المتعصبة التي تنتشر في أوساط مجاميع كبيرة من العراقيين للأسف، خصوصاً بين الراشدين.
ثمة مساحة إنسانية واسعة تتيح التقاء الناس عبر القارات بالضد من المساحة الضيقة التي يتحرك فوقها السياسيون عديمو الضمير وآلات الإرهاب والعنف التي تتخذ هيئة أشكال آدمية، وهم يجوبون العالم لتنفيذ خططهم السوداء المعادية للجنس البشري.
هكذا أبدى مواطنون أمريكان عاديون، خارج ترسيمات قادة بلادهم، تعاطفهم الواضح وتفهمهم لمأساة العراقيين أثناء فترة حكم صدام حسين وجوقة العرفاء الكيمياويين، وما بعد الفترة المظلمة تلك.
سمعنا وقرأنا مواقف لمواطنين أمريكان أوقدوا شموعهم التضامنية مع الشعب العراقي خلال سنوات الحصار في تسعينيات القرن الماضي، وخرج الآلاف منهم في تظاهرات ضد الحرب على العراق، وإن كان هذا موقفاً مجزوءاً من قضية الحريات وجرائم الدكتاتورية ينطلق من التباس اليسار العالمي الذي يعاني عمى الألوان عند النظر إلى استبداد السلطات المحلية في العالم الثالث.
إن شعباً يقمع شعباً آخر لا يمكن أن يكون حرّاً – كارل ماركس _.
لن يتغير منطوق الجملة لو أضفنا جملة اعتراضية صغيرة مثل: إن شعباً يتجاهل، أو يغض النظر عن، قمع شعب آخر لا يمكن أن يكون حرّاً.
العراقيون، أكثر شعب تعرّض للقمع والإرهاب بين شعوب العالم الثالث قاطبة، وهو الشعب الأكثر جدارة بإدراك أسباب الألم ونتائجه، طيلة تاريخه الحديث، لتأتي رسالة عمر ورضا تعبيراً عن روح الجيل الجديد في العراق الذي يبدو على أنه تخطى العقد السياسية المستوطنة والمشاعر العدائية التقليدية ضد الآخر، وهي نقلة مدنية صغيرة نحو بلوغ مرحلة جديدة للكفاح المدني على الكبار منا رعايتها وتعهدها بالتوجيه من أجل ترويجها وتشجيعها والدفاع عنها، بدءاً برياض الأطفال وانتهاء بالجامعات والجوامع والحسينيات: مؤسسات مجتمع مدني توجه رسائل أمل وسلام وتسامح إلى العراقيين والعالم.
التضامن ثقافة، مثل أي ثقافة اجتماعية، وهو موقف أخلاقي قبل أن يكون أي شيء آخر، والعراقيون أحوج من أي شعب آخر لهذه الثقافة وهذا الموقف الإنساني. على أن التضامن العراقي – العراقي يشكل أس هذه الثقافة، فإذا افتقدنا التضامن الذاتي وتجاهلنا ضرورته وتقاليده فلا يمكننا أن نتضامن مع الآخر البعيد.
رضا وعمر زهرتان بيضاوان تتقدان بالحنان لأنهما أدركا معنى العيش وسط العتمة التي يريدها الإرهابيون لبلدهما وللعالم، ولا شك في أن لآبائهما الفضل في هذا الوعي البريء الذي أهّلهما لأن يدركا وحدة الألم البشري.
وحدة الألم البشري
[post-views]
نشر في: 22 إبريل, 2013: 09:01 م