ليس وارداً أن يحدث نزال جسدي بين المرأة والرجل، فمثل هذا النزال لن يكون متكافئاً. لذلك لا نشهد حلبة ملاكمة يتقابل فيها ذكر وأنثى، وإذا حدث فعلى سبيل الطرافة أو الغرابة. فجسد الرجل أقوى من جسد المرأة، وإذا حدث وأن هُزم الرجل في نزال جسدي مع أنثى، فستكون حادثة تتناقلها الركبان. وهذا ما حدث في أول منازلة أشهدها أنا من هذا القبيل، كنت طفلاً حينها، ولم يكن فلم الرسالة قد انتج في ذلك الوقت، لهذا لم أكن أعرف ما حدث في معركة أحد بين هند والحمزة، مع ذلك فقد احتفظت ذاكرتي بمعركة أحد خاصَّة بي.
كانت في منطقتنا أيام الطفولة فتاة مُتَنَمِّرة نطلق عليها اسم (انْيَو). وكانت تقود عصابة من الفتيان وتقطع علينا الطريق إلى سوق "العورة" في مدينة الثورة ـ الصدر الآن ـ الأمر الذي يقلقنا دائماً، فالحاجة إلى السوق مستمرة، والمعركة مع انْيَو خاسرة ومكلفة باستمرار. وصادف أن الفتى الأكثر تنمراً بيننا هو ابن عمي "حمزة"، فقررنا في أحد الأيام أن ننتدب حمزة ليقود مجموعتنا في نزال مصيري مع "المشركين". وفعلاً جاءت لحظة المواجهة، والتقى الجمعان، ولأن ذاكرتي ضعيفة، فلم أعد اتذكر من تفاصيل تلك المعركة غير اللحظة التي تتقدم فيها انيو من حمزة وهي تتلفظ بكلمات تهديد ووعيد ويحدث اشتباك سريع بالأيدي ينتهي بحركة خاطفة ومباغتة تتمكن من خلالها انيو من شق دشداشة حمزة من الأعلى إلى الأسفل، فلا يعود أمام حمزة غير أن يهرب بسرعة منشغلاً بستر عورته ومداراة خجله.
بقيت هذه الهزيمة ماثلة في مخيلتي إلى أن شاهدت لأول مرة فلم الرسالة، الذي تقدمت فيه هند من جسد الحمزة، المطعون "برمحها"، ومزقت ملابسه ثم جسده وأخرجت كبده. ومنذ ذلك الوقت وأنا لا اتذكر "انيو" ألا وتحضر معها هند والعكس صحيح. ومنذ أن كبرت قليلاً وعرفت أبعاد العلاقة الجسدية بين الذكر والأنثى وأن أول ممارسة تامة، تحدث بين الاثنين تكون ضحيتها هند التي يتمزق غشاء بكارتها بجرح يحدث أثر ممارسة ذكورية تشبه عملية الطعن بالرمح. منذ ذلك الوقت اكتملت الدلالة الرمزية بمخيلتي، وصار للرمح ولفعل التمزيق أبعاد دلالية تحاول من خلالها الانثى أن تنتصر لجرحها. طبعاً الحادثتان لاتكفيان لرسم تاويل انثروبولجي مقنع لهذه الدلالة، لذلك أنا مستمر بجمع الوقائع التي تمارس خلالها "انيو" فعل التنكيل بجسد أو ملابس حمزة ابن عمي، فهل سانجح باقناعكم بأن ثمة معركة أحد مستمرة؟ نعم سانجح اذا سردت لكم كل ما احتفظ به من قصص أكباد وملابس الذكور الممزقة.
جميع التعليقات 3
مخلد الحربي
روعة وتصوير رائع
سوسن أحمد
لايوجد تقارب في الرمز مابين هند وانيو والحمزتين ...فكل قصة ترمز لشئ مختلف ...قصة هند مع الحمزة قصة غل وثأر نتيجة التمسك بمعتقدات معينة لذاك الزمان ...حينها لم يكن المجتمع ذكوري بالمطلق ....لكن في القصة الثانية وارد الى حد ما أن يقارب الرمز الواقع بغض النظ
جعفر الطائي
استمر بجمع الوقائع- وستنجح حتما يا ضمد- لان عوره عمر بن العاص لا زالت معاصره وتقبح وجه التاريخ -- شكرا لك