عبدالجبار خلفصفحة رائعة من تقليدنا التحرري تعاد فتنشر، وسجل خالد من سجل نضالنا الوطني وكفاحنا القومي يبعث ببهائه وجلاله ليوقظ في النفوس الهمم، ويذكي في القلوب الامل فيحفزها للعمل، ويقوي عزمها للمطالبة بحقوقها، وكسب قضيتها الوطنية وتحقيق آمالها القومية.
لقد احب السيد جمال الدين الافغاني الشرق حبا جما، فوهب حياته للدفاع عنه، وضحى براحته وهنائه في سبيل سعادته وسعادة ابنائه، فطوف في اقطار الشرق واحبها جميعا فهو كما يقول عنه الاستاذ الجواهري: هويت لنصرة الحق السهادا فلولا الموت لم تطق الرقادا على ان السيد الافغاني حتى في الموت لم يطق الرقاد فيعود حنينه الى التطواف في اقطار الشرق وربوعه ليتلمس اثر الداء فيرشد الى الدواء، كما كان في حياته كذلك شأنه بعدها. لشد ما كان يحز في نفس السيد جمال الدين الالم حين كان يطوف في ربوع الشرق واقطاره فيرى بؤس ابنائه، ويتلمس شقاء شعوبه، ولكم كان يتمنى لهذه الشعوب حياة الهدوء والاطمئنان على ان قوة ارادته ومضاء عزيمته وشدة اخلاصه وتفانيه في خدمة الشرق ونصرة الحق اذكت في نفسه حب العمل، فلم يستسلم للاماني المجردة، ولم يتنم على الخيالات الجوفاء، وانما نزل الى ميدان النضال بكل ما يملك من قوة، وما فيه من حول وجلد، وقد ريض نفسه على الكفاف، وابتعد عن الدنيا وما فيها من مغريات فاستمع اليه حين يقول: لقد جمعت ما تفرق من الفكر، ولممت شعث التصور، ونظرت الى الشرق واهله فاستوقفتني الافغاني وهي اول ارض مس جسمي ترابها، ثم الهد وفيها تثقف عقلي، فايران بحكم الجوار والروابط، فجزيرة العرب من حجاز وهو مهب الوحي ومن يمن وتبابعتها ونجد، والعراق وبغداد وهارونها ومأمونها، والشام ودهاة الامويين فيها، والاندلس وحمرائها، وهكذا كل صقع ودولة من دول الاسلام وما آل اليه امرهم في الشرق الغربب، فخصصت جهاز دماغي لتشخيص دائه، وتحري دوائه، فوجدت اقتل ادوائه داء انقسام اهله وتشتت آرائهم، واختلافهم على الاتحاد واتحادهم على الاختلاف فعملت على توحيد كلمتهم وتنبيههم للخطر الغربي المحدق بهم. ولد السيد الافغاني في اسد آباد من قرى كنر عام 1254هـ (1839م) ويرجع نسبه الى الحسين بن علي (ع) وقد جمع الى شرف النسب عزة السيادة فقد كان اهل بيته سادة على عمالة من اعمال الافغان. وتعلم على غرار اهل زمانه في بلاده الفارسية، والعربية، ودرس الرياضيات في الهند على الطريقة العصرية، كما انه تعلم الفرنسية وهو كبير وقد استطاع ان يترجم منها، ولكن ما تعلمه اثناء سياحته الطويلة في الشرق خاصة والغرب عامة علمته تجارب عملية واسعة واكسبته خبرة عظيمة اعانته في التوصل الى حل كثير من المشاكل بطريقة محكمة رشيدة. وكان السيد الافغاني في نضاله يستهدف اصلاح حال الامة، ويبغي في كفاحه بلوغ المطامح الوطنية، وتحقيق الاهداف القومية والعيش تحت راية الحرية والهناء والسلام، فكان يطالب ويلحف في الطلب بدستور ديمقراطي تصان حرمته، ومجلس نواب تنتخبه الامة انتخابا ديمقراطيا حرا من ذوي الكفاءات من ابناء الشعب، ليعبر عن ارادته ورغباته تعبيرا صادقا، ويعرض حاجياته، ويدافع عن حقوقه بامانة واخلاص فهو قد ادرك القوة الكامنة في الامة وايقن ان كل محاولة للاصلاح من غير اشراك الامة في الحكم تكون نتيجتها الحتمية الفشل، ونصيبها الخيبة لذلك نراه يقول: ان القوة النيابية لاي امة كانت لايمكن ان تحوز المعنى الحقيقي الا اذا كانت من نفس الامة، وان اي مجلس نيابي يأمر بتشكيله ملك او امير او قوة اجنبية محركة لهما، فاعلموا ان حياة تلك القوة، والنيابة الموهومة موقوفة على ارادة من احدثها. فمقدمات مجلس نيابي قوته المحدثة له خارجة عن محيط الامة، والمحدث له قوة خارجة عن الامة ومجلسها، يعارضها منافع متضادة، وهدفان مختلفان، فمثل هذا المجلس لاقيمة له، وكما انه لايعيش طويلا كذلك لا يغني عن الامة فتيلا. وكان يؤمن ايمانا راسخا بأن التفاوت بين الشعوب والامم ليس وليد قوانين ازلية لايمكن تبديلها، وليس نتيجة نواميس كونية ابدية ليس من المستطاع تغييرها كما يشيع دعاة الاستعمار واذنابه من اصحاب رؤوس الاموال، وانما هذا التفاوت بين الامم والشعوب ماهو الا عارض وقتي يزول بزوال مسبباته، وما هو الاّ حدث خاص بمرحلة معينة من مراحل البشرية وهي مرحلة استغلال الانسان لاخيه الانسان ينتهي بانتهائها، ويزول بزوالها، وان النتيجة الحتمية للتطور الانساني والتقديم البشري لابد ان تنتهي بمحو التفاوت بين الشعوب والقوميات، واقامة المساواة والتآخي بينها وقد عبر السيد عن هذا المعنى احسن تعبير: ولما كان لحياة الامم والدول ادوار وآجال، ولحدوثها وتكونها، وتعاليها ثم توقفها، وانحطاطها اسباب وعوامل، هكذا وجب ان يكون الاستعمار خاضعا لتلك النواميس الكونية، بمعنى انه يصل الى حد محدود واجل معلوم.. وانقضاء اجل الاستعمار انما يتم بزوال الاسباب التي مكنت اهله التسلط، واكرهت الشعوب على الخضوع لهم.. كان السيد باطلاق الحريات للكلام والاجتماع والنشر والعمل، كان يريد نشر العلم وبث الثقافة بين افراد الشعب، كان يريد ترقية شؤون الاقطار الشرقية الداخلية بالادارات الحرة المنظمة، ثم كان يرمي الى جامعة تضم تحت رايتها الحكومات الاسلامي
صفحة رائعة
نشر في: 30 أكتوبر, 2009: 05:24 م