إذا كان الأمر يتعلق بحرية الإبداع والثقافة، فلماذا الصمت على ما يرتكبه "اتحاد الكتاب العرب" "الفزّاعة"، الذي هو اتحاد عاطلين عن الأدب لا غير، تحول أكل لحم بني جنسهم إلى مرض محترف، أما موهبتهم فتتركز بإدارة الحقد ولعق جزمات العسكر على الدوام؟ نعم، لماذا الصمت على اتحاد مأثرته الوحيدة هي موهبته بإدارة حفل كانيباليزم كل سنة، بمباركته هذا النظام أو ذاك؟ أي اتحاد هذا يصدر البيانات ويخور بسبب تحقيق السلطات المصرية مع كاتب مصري بتهمة قدح الدين، مع العلم أن الاتحاد "المناضل" ذاته يسكت عن اعتقال كاتب سعودي مثل تركي الحمد أو الحكم بالسجن لمدة خمسة عشر عاماً لشاعر من قطر؟
هل الحسد والكانيباليزم هما قدر الكتابة؟ وحتى لو أجبنا بنعم على طريقة الايرلندي "جورج مور" الذي ترك وراءه تعريفاً ساحراً للحركة الأدبية: "أنهم مثل خمسة أو ستة جيران في المدينة ذاتها، يكرهون بعضهم بعضاً من القلب"، إلا أن ما يحدث في منطقتنا، يفوق ما يحدث على بقاع الأرض الأخرى، إذ مرت الثقافة المكتوبة بالعربية بكل صور الحسد والأحقاد وافتعلت لها معارك جانبية، ليس لها مثيل في مكان آخر على الأرض، وفي كل المراحل: في مراحل ما قبل الرأسمالية، والثورية، وشبة الليبرالية البائسة! وليس للأمر علاقة بالرأسمالية و"الإمبريالية"، كما يحاول إقناعنا ثورجيّ الثقافة، الذين يدعون للثورة، لكنهم لا يغيبون عن كل وليمة رسمية دسمة، ويصل الأمر ببعضهم بقراءة القصائد أمام السياسيين ورجال السلطة الذين يلعنونهم يومياً؛ أن الخراب العربي يكمن في كل هذا الركام الثقافي المتخلف الذي ينتج كانيباليزم مزمن، همه أكل لحم بني جنسه؛ ليس هناك تنافساً حراً، إنما افتراس حر. وحتى الجوائز الثقافية "غير التجارية" تحمل ملامح الطقس النموذجي لأكلة لحوم البشر، لأن الهدف الأول من هذه الجوائز ليس تشريف الحاصل على الجائزة، إنما هو في كل مرة فوز لمانحي هذه الجوائز، لذلك ليس هناك أحداً يحترم الجوائز عندنا، وتظل بلا قيمة، وأن الفائزين يظلون هدفاً سهلاً لإطلاق النار دائماً، بين فريق "المافيا" الذي يلتف حول الجائزة، إذ بدل أن يُحتفى بالفائزين ويُروج لكتبهم (كما يحدث في بلدان العالم الباقية)، يجد هؤلاء أنفسهم في وضع مسكين، يبررون حصولهم عليها (كما حصل ويحصل مع جائزة الجامعة الأميركية في القاهرة من حين إلى آخر، لمجرد ذكر مثال واحد)، ووصل الأمر بشاعر مسكين، أن يبرر في كل مناسبة، بأنه وبعد نصيحة الخِل والأحبة والزوجة والأطفال، والشعب الذي يقف وراء شعره، وجد أن من الأفضل تسلم الجائزة من "الأعداء" وفي عقر دارهم، أو أن يتقاسم الجائزة مع كاتب إسرائيلي، أو قراءة قصائده "الثورية" في حضرة سياسيين إسرائيليين، لكن، الويل لزملائه في الأدب إذا سمحوا لأنفسهم وعطسوا في حضرة كاتب إسرائيلي! أية قيمة بقيت للجائزة إذن، عندما يهاجم شاعر مخضرم آخر زميلاً له فاز بجائزة مناصفة معه، وينعته بأنه "صبي لا يستحق مشاركته بالاسم"، وهو مجرد متآمر "لأنه استغل أصله الفلسطيني" لتقاسم مبلغ الجائزة معه، بينما طلب قاص عربي آخر من رئيس دولة منحته الجائزة باسمه أن يدفع له بعد سنة من حصوله على الجائزة، مبلغاً مضاعفاً، لأن مبلغ الجائزة ارتفع في ذلك العام، ولا يكتفي القاص "القومي" بذلك، فعندما تغزو دولة الرئيس المانح دولة أخرى، يقترح صاحبنا على الدولة المنكوبة أن تمنحه ضعف مبلغ الجائزة لكي يُرجع مبلغ الجائزة إلى الدولة الغازية!!؟ ماذا يتبقى لنا لكي ندافع عن أهلية الكاتب لحصوله على الجائزة بالفعل؟
يتبع