انتهز الرئيس السوري ذكرى الجلاء، ليطل على مواطنيه بحديث مطوّل، وجه فيه العديد من الرسائل للداخل والخارج، وهو في رسائله للداخل يصر أن ما يحصل هو حرب تقودها واشنطن، التي ترغب بالسيطرة على سوريا، وهي لذلك تدعم معارضيه، مع أن شكوى المعارضة تنصب على منع تزويدها بالسلاح، امتثالاً لتعليمات الإدارة الأميركية، ويقول إن هناك مجموعة من اللصوص والمرتزقة، تأخذ الأموال من الخارج مقابل أعمال تخريبية، أي أن هناك سوريين يقامرون بأرواحهم، مقابل بعض الأموال، ومن دون أن يكون لهم هدف يسعون لتحقيقه، وهناك التكفيريون أو القاعدة أو جبهة النصرة، والحرب اليوم مع هؤلاء، وتوجه للكرد واصفاً إياهم بالجزء الطبيعي والأساس من النسيج السوري، وهم موجودون في هذه المنطقة منذ قرون عديدة، ليسوا ضيوفاً أو طارئين، دون أن يفسر لنا لماذا لم تمنح الجنسية السورية للآلاف منهم، إلا قبل عامين، أي بعد انطلاقة الثورة السورية.
في الحوار الذي يجري الحديث عن عقده على المستوى الوطني، قال الأسد إنه يمكن التحاور مع من لم يتعامل مع إسرائيل، سراً أو علناً، ما يعني بأن بإمكان الآخرين رفض التحاور معه، لأنه تعامل مع إسرائيل علناً، وبرعاية تركية، وانتقد المعارضة لأنها كانت تهاجم الجيش، بدلاً من أن تقف معه في أزمة استهدفته، لأنه عنوان وحدة الوطن والصمود، وكأن على معارضيه تقبيل جبين قاتلهم، إن تمكنوا من الوصول إليه، ويصل إلى انتقاد المعارضين، لقدرتهم على التنقل بالطائرات، والسكن في الفنادق الفاخرة، وهم لم يكونوا قادرين على تحصيل قوت يومهم ، ويسأله هؤلاء عن تضخم ثروات مخلوف، حتى كادت تبتلع ثروات الوطن ، ثم يذكرنا بمهزلة الانتخابات التي أوصلته للرئاسة، حين يسأل عن الانتخابات التي حددت حجم هذه المعارضة.
للمرة الأولى وعلناً استهدف الأسد الأردن، متهماً إياه بتسهيل عبور الآلاف من المسلحين والإرهابيين، مع سلاحهم وذخائرهم، عبر حدوده مع سوريا، معتمدا في هذا الاتهام على اعترافات الإرهابيين، ويتمنى من بعض المسؤولين الأردنيين، الذين لا يعون خطورة الوضع في سوريا، وما يعنيه بالنسبة للأردن، أن يكونوا أكثر وعياً في تقدير هذا الشيء، لأن الحريق لا يتوقف عند حدود، والكل يعلم أن الأردن معرض له كما هي سوريا معرضة له، والتهديد هنا واضح، كوضوح تهديده للغرب، الذي قال إنه لا يعرف، أو ربما يعرف ولا يعي الآن، بأن هذا الإرهاب سيعود إليه، فهم الآن يدعمون القاعدة في سوريا وليبيا وأماكن أخرى، وسيدفعون الثمن لاحقاً في قلب أوروبا والولايات المتحدة، ولنا هنا أن نستذكر تهديد المفتي حسون بالخلايا السورية النائمة في الغرب، والمتأهبة لشن هجماتها حين تتلقى الأمر من دمشق.
حديث الأسد "طخ" في كل الاتجاهات، وهو تعبير عن عمق أزمة نظامه، مع التمسك بالحلول العسكرية التي أثبتت فشلها، برغم تنظيره عن حيثياتها، وعن أسباب عدم قدرته على الحسم من خلالها، وهو حديث يستدعي المزيد من الدم السوري، لإغلاقه الأبواب كافةً أمام أي حلول سلمية، تخرج بالدولة السورية من ورطة تمسكه بموقعه الرئاسي، الذي كلف السوريين حتى اليوم ما يقرب من مئة ألف قتيل، ومليون مهجّر، وبنية تحتية مدمرة تحتاج المليارات لإعادتها كما كانت.