مرت خمسون عاما منذ أن تسبب فيلم جوزيف لوسيه ( الخادم ) في تحرير صناعة السينما البريطانية، و قد تكهن جيوفري ماكناب بآثار هذا الفيلم قبل عرضه على الشاشة . بعد خمسين عاما من العرض الأول لفيلم ( الخادم ) في عام 1963 المأخوذ عن رواية للكاتب
مرت خمسون عاما منذ أن تسبب فيلم جوزيف لوسيه ( الخادم ) في تحرير صناعة السينما البريطانية، و قد تكهن جيوفري ماكناب بآثار هذا الفيلم قبل عرضه على الشاشة .
بعد خمسين عاما من العرض الأول لفيلم ( الخادم ) في عام 1963 المأخوذ عن رواية للكاتب روبن موم ، من السهل أن ننسى تماما كيف كان الفيلم يبدو و كأنه عمل آثم؛ فلقد كانت بداية الستينات فترة لأفلام نورمان ويزدوم الكوميدية مثل ( غرزة في الوقت المناسب - 1963 ) ، و أفلام الحرب الصاخبة مثل ( السرب 633 - 1964 ) . صحيح إن السينما البريطانية كانت لها " موجتها الجديدة " من أفلام توني ريتشاردسون و كاريل ريز في صناعة الأفلام الجديدة الشجاعة في شمال انكلترا، فان فيلم لوسيه لم يكن يشبه أفلاما مثل ( عدّاء المسافات الطويلة ) أو ( ليلة السبت و صباح الأحد ) . كان فيلم الخادم بمثابة نسخة شهوانية ملتوية لأحدى قصص جيفز وودهاوس .
تجول الكاميرا في شارع تشيلسي قبل ان تنتهي عند واجهة متجر توماس كريبر . أمام المتجر و عبر الشارع ، يلوّح باريت ( ديرك بوغارد ) بمظلته و هو في طريقه لمقابلة السيد توني ( جيمس فوكس ) ذلك الشاب الأنيق الذي يبحث عن خادم جنتلمان لمنزله الجديد في المدينة.
المدهش في فيلم الخادم ليس موضوعه – العلاقة المشاكسة ، المتحولة و الحميمة بين السيد و خادمه – و انما نمطه المبهرج. كانت الأفلام البريطانية تتسم بالكبت، إلا ان لوسيه ( الأميركي الذي لجأ الى المملكة المتحدة هربا من المطاردات المعادية للشيوعية ) كان على استعداد دائما للتباهي بعمله الفني – موسيقى الجاز - و استخدام الكاميرا بشكل ملتوي ، و استخدامه للمرايا التي ولّدت تأثيرا مربكا و متنافرا . حتى استخدام الحوار كان أنيقا .
كتبت الرواية في أواخر الأربعينات من القرن الماضي، إلا ان الفيلم أطلق في بداية الستينات في فترة كانت فيها الثوابت القديمة عن الطبقات و الجنس تتعرض لتحديات غير مسبوقة – كان عام 1963 عاما للعلاقات الجنسية.
يرسم فيلم الخادم صورة مجتمع بريطاني وسط اضطرابات اجتماعية عميقة؛ فكرة عفا عليها الزمن عن خدم البيوت . لا يعيش توني في منزل ريفي من طراز الأديرة في داونتاون، بل يعيش لوحده قي لندن . لا ندري من أين جاءت ثروته ( نفترض انه ورثها ) او ما هي طبيعة عمله ( لديه خطط عمل غامضة في أميركا اللاتينية ) . يمتلك الكثير من مواصفات بيرتي ووستر – عاطل ، غير عملي ، و يستمتع بالشراب – لكنه ليس شخصية مرحة . في البداية كان يبدو مسيطرا، عندما يأمر باريت بفعل شيء ما، لكن سرعان ما ندرك بأنه يعتمد كثيرا عليه لأنه غير قادر على القيام بأي شيء لنفسه .
السياق الفرعي للقصة – المثلية الجنسية – هو مسألة جدل مستمر. يقول لوسيه مخاطبا احد الصحفيين :" لا أريد للفيلم ان يكون مجرد دراسة لعلاقة مثلية صغيرة ". كما ان ديرك بوغارد كان يريد تخفيف هذا الجانب من الفيلم .
عند إطلاق فيلم الخادم، كانت ردود أفعال النقاد البريطانيين حماسية، لكنهم كانوا مهتمين بالشد بين الطبقات أكثر من اهتمامهم بالانجذاب بين السيد والخادم .
يضم الفيلم شخصيات نسائية قوية – سارا مايلز بدور فيرا شقيقة باريت المنحلة التي ينجذب إليها توني ، إضافة الى ويندي كريغ بدور خطيبته المشاكسة سوزان . يعلق براين روبنسون – مبرمج أفلام المثلية و السحاق في مهرجان لندن – قائلا: " اعتقد ان النقاد في ذلك الزمن كانوا يشعرون بالصدمة لما يجري في الفيلم" ، و يقتبس لحظة مبكرة في الفيلم عندما يلتقي باريت لأول مرة بسيده الذي يسأله ان كان يجيد الطبخ . يتباهى الخادم قائلا : " كانت وجبة البيض المخفوق بالحليب التي اعملها تحظى بالكثير من الثناء في الماضي".
كانت النكهة العالمية لفيلم الخادم هي بالضبط ما استهوى نقاد الستينات حتى و ان لم يكونوا مهتمين بالبحث عميقا في علاقة باريت بسيده . لقد أشادوا بفيلم قدّم للشاشة البريطانية بعض ما يقدمه أفضل الايطاليين و الفرنسيين على شاشاتهم ( كما جاء في حديث ديليس باول في الصنداي تايمز ) .
لا شك كان هناك تنمر على صفحات الجرائد فيما يتعلق بأهمية فيلم الخادم ، الا انه كان له تأثير تحرري على صناعة السينما البريطانية. بواسطة عينه الثاقبة، اختار لوسيه سخافات النظام الطبقي البريطاني. فالرواية الأصلية لكاتبها روبن موغام ، رويت من وجهة النظر الارستقراطية و كانت مليئة بالغرور بلا خجل، لكن الفيلم –رغم تملق باريت – كان أكثر اعتدالا . يقول توني ( جيمس فوكس ) مخاطبا وندي كريغ عندما خرجت معه :" انظري ، صحيح انه خادم لكن مع ذلك فهو إنسان " . انه بالكاد استبصار أساسي، الا ان ما سبقه من الأفلام لم تكلف نفسها عناء ذلك .