TOP

جريدة المدى > ملحق منارات > جمال الدين الافغاني

جمال الدين الافغاني

نشر في: 30 أكتوبر, 2009: 05:36 م

عبدالحميد العلوجيلا اريد، بهذا البحث، ان ادور مع السيد جمال الدين في حياته العريضة المخصاب، او في خواطره وفلسفته، او في رحيله الى ربه الكريم، ولا اريد، فوق ذلك، ان اؤكد ريادته في حركة التجديد الديني، ومناهضة الاستعمار، والدعوة الى التطور التكنولوجي في مواجهة اوروبا،
 وتحريض الشعور الوطني على تحقيق النظم الدستورية، ولا اريد، اخيرا، ان اقول ما قيل وما سوف يقال عن كفاحه السياسي الذي ترامى، جغرافيا، على الوطن العربي وايران والهند وافغانستان وتركيا والغرب الاوروبي، انما الذي اريده هو توثيق ارتباطه بالعراق، واضاءة ما يكاد يجهله اغلب المؤرخين من ابعاد هذا الارتباط. اننا جميعا ندرك ان السيد جمال الدين هبط العراق ثلاث مرات: مرتين في حياته (اولاهما موضع شك) ومرة واحدة بعد خمس واربعين سنة من وفاته، وعلى هذه الزيارات الطارئة سأعقد مضمون هذا البحث. لقد شخص السيد الافغاني الى العراق، لاول مرة، بصحبة ابيه السيد صفدر لزيارة العتبات المقدسة، واستقرا في مدينة النجف مدة من الزمن خلال سنة 1849.. والواقع ان هذه الزيارة لم يشر اليها احد من المؤرخين عربا ومستشرقين (فضلا عن عدم وجود اية اشارة اليها في مؤلفات ومقالات السيد جمال الدين نفسه، والشيخ محمد عبده، والسيد محمد رشيد رضا).. وانما انفرد بها المؤرخ السيد محسن الامين العاملي، والاديب عبدالكريم الدجيلي (وممن يؤيد هذه الزيارة: الشيخ اغابزرك، والدكتور حسين علي محفوظ، والدكتور علي الوردي، (العراق) ومحمد طاهر الجلاوي (من مصر) وقدري قلعجي (من لبنان) ولكني قانع بأن مظنه هذا التأييد لم تجاوز الاقاويل التي نثرها لطف الله خان في كتابه المعروف الذي سيأتي ذكره) وانا اميل الى ان الدجيلي اعتمد، كليا، في روايته، على السيد العاملي وان لم يصرح بذلك، كما اميل الى ان السيد العاملي لم يستق روايته الا من اساطير الميرزا لطف الله خان وكان هذا الرجل يزعم انه ابن اخت السيد جمال الدين وقد اودع اساطيره باللغة الفارسية في كتابه (جمال الدين الاسد بادي) ويعتبر هذا الكتاب سيرة للسيد الافغاني،، وهذا يبيح لي ان اعتبر هذه الزيارة خبرا مهزوزا لا يدعمه واقع، ومن هنا صعوبة التسليم بها او اعتمادها لازمة تاريخية في حياة السيد جمال الدين وانني حين ذكرتها كزيارة اولى، فلأجل ان اسجل عليها ما تستحق من تحفظ وحذر وشك في مواجهة المنزع الموضوعي. وقد حملني هذا الموقف على ان اجتاز جميع التفاصيل المتعلقة بهذه الزيارة غير المقطوع بها.. دونما شعور بأي اثم.. في حين ان الزيارة الثانية استقرت على وجود السيد جمال الدين في العراق منفيا، فقد شوهد في خانقين وبغداد والكاظمية والبصرة خلال سنة 1918، وكان العراق –حينئذ- مثقلا بالاحتلال الاجنبي، وهدفا للكوارث الطبيعية، وكان ولاته الحاكمون لا شاغل لهم سوى جباية الضرائب.. بينما كانت الدماء البريئة تهدر بلا حساب، والكرامات تجرح بقسوة، يضاف الى ذلك ان ضمائر المتسلطين كانت تتمتع باجازة طويلة شجعت اللصوص وقطاع الطرق على انتهاب الاموال، والولوغ في الاعراض، وتهديد السلامة العامة. وكان هذا هو الواقع الذي ساد العراق يوم هبط السيد الافغاني خانقين، لقد اقتاده فرسان ناصر الدين شاه حتى الحدود العراقية حيث تسلمته منهم الشرطة العثمانية في مدينة خانقين التي تقع في الشمال الشرقي من مدينة بغداد على مسافة مئة وتسعة وخمسين كيلو مترا منها، وكان السيد جمال الدين، يومئذ، ينتفض من الحمى، ونحن لا نستبعد ايداعه في محطة الحجر الصحي تمهيدا لتسفيره الى بغداد. لقد قضى في خانقين ردحا يسيرا من الوقت لم يتسن له فيه الاتصال بأيما شخص من اهلها الذين كانوا يبلغون اقل من خمسة الاف نسمة، ولم تتهيأ له اقامة الصلاة في اي مسجد من مساجدها الستة التي كانت قائمة يومذا، انه ظل طريح الفراش هناك، تنهشه الذكريات المريرة التي عاناها بعد ان انتزعه (اغا بلاخان سردار) صنيعة الشاه عنوة من مرقد الشاه عبدالعظيم في ضواحي طهران، ونقله على محفة خشنة مكبلا بالحديد – تحت وطأة البرد والثلوج- الى خانقين، ولقد رآه الناس، يومذاك، يتوجع من المرض، ويئن من الحمى، ويتوعد الذين اهانوه بالويل والثبور،، ورأوه غاضبا يتلظى وجهه بالدم، وتهزه الرغبة في الانتقام. ولم يبق في خانقين طويلا.. اذ سرعان ما رحل به الجندرمة الى بغداد، وفي هذه المدينة اخذت العافية تدب في اوصاله بالرويد، وقد دخلها في وقت طغت خلاله مياه نهر دجلة، وباتت تهدد المدينة بالغرق، وآثر السيد جمال الدين ان يجعل سكناه في خان الدفتر دار على ضفة النهر في جانب الرصافة (في شارع المستنصر بالذات)، وكان هذا الخان، يومئذ، في عهدة دائرة الاوقاف (ولم يبق لهذا الخان وجود في الوقت الحاضر) وكان الزوار من وجهاء الناس يفضلون الثواء فيه بعيدا عن الاضواء، والمعروف ان بغداد يوم حل فيها السيد جمال الدين كانت محكومة بسلطة الوالي العثماني محمد سري باشا بن صالح الكريتي، وقد اشتهر هذا الحاكم بميله الى تزيين بغداد بمختلف انواع الزينة، كما اشتهر بميله للاداب والعلوم الاسلامية، وهو الذي وضع باللغة التركية كتابه (احسن القصص) في تفسير سورة يوسف. وقد روي عن الفقيه البغدادي المرحوم الش

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

برتولت بريخت والمسرح العراقي

برتولت بريخت والمسرح العراقي

د. عادل حبه في الاسابيع الاخيرة وحتى 21 من أيار الجاري ولاول مرة منذ عام 1947 ، تعرض على مسرح السينما في واشنطن مسرحية "المتحدثون الصامتون"، وهي احدى مسرحيات الشاعر والكاتب المسرحي الالماني برتولت...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram