اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > تحقيقات > أهوار الجبايش جنة الفرات الساحرة على الأرض

أهوار الجبايش جنة الفرات الساحرة على الأرض

نشر في: 26 إبريل, 2013: 09:01 م

لا تفصلنا عن فترة الخراب الذي حل بهور الحمار المتاخم لمدينة الجبايش سوى بضع سنوات ،فقبل 2003  عبث النظام الدكتاتوري بمقدرات الأهوار وعمد إلى تجفيف مياهها بعد أن شكلت نقطة جذب للثوار ممن حملوا السلاح للدفاع عن القيم الوطنية ، لكن النظام تسبب في إ

لا تفصلنا عن فترة الخراب الذي حل بهور الحمار المتاخم لمدينة الجبايش سوى بضع سنوات ،فقبل 2003  عبث النظام الدكتاتوري بمقدرات الأهوار وعمد إلى تجفيف مياهها بعد أن شكلت نقطة جذب للثوار ممن حملوا السلاح للدفاع عن القيم الوطنية ، لكن النظام تسبب في إلحاق الضرر بهذه المنطقة وسلبها روعتها وجمالها، لكن ما بعد  2003 وخلال السنوات الفائتة عادت مرة أخرى تدريجيا،إلا أنها لا تزال بحاجة إلى المزيد من العناية وإلى مزيد من المياه لتنعم بالخيرات ولتبرز كمحمية طبيعية تدر على سكانها مزيداً من الرزق الوفير ولتكون بمثابة منطقة سياحية تستهوي السائحين وتجذبهم .
مدينة الجبايش
مدينة الجبايش قطعة من الأرض المخضرة تغفو على ضفاف الفرات ويرتبط اسمها بتاريخ حضارة من قصب وطين منذ آلاف السنين. وقد تعرض أهلها لأبشع عملية إبادة وتهجير من قبل النظام الدكتاتوري ما قبل 2003 بتجفيف الأهوار وتهجير سكانها لكن أمل الناس لم ينقطع بالعودة الى ديارهم ، تقع مدينة الجبايش جنوب مدينة الناصرية بحوالي (100) تسكنها عشائر بني أسد يمر من خلالها نهر الفرات من الجهة الجنوبية أما من الجهة الشمالية فيتاخمها هور الحمار ،أما عدد سكانها فيبلغ (20) ألفا ومن ابرز شخصياتها العشائرية الشيخ(راضي الحنون)،نصبت فوق مياه الأهوار أكواخ القصب والبردي المنتشرة فوق مستنقعات كأنها بحيرات شاسعة مترامية الأطراف هي بمثابة كنز اقتصادي زاخر فلو تمت العناية به لكان أحد مرتكزات الاقتصاد في بلادنا ولكانت منطقة الأهوار من أروع المناطق السياحية الدولية لكن لا تزال العشوائية هي السمة التي تتحكم في مصير هذه المحمية الطبيعية .
 
جولة فوق الأهوار
تجولنا في زورق بمحرك صغير (شختورة) في هور الجبايش ومياهه الزرقاء ، كانت قامات البردي والقصب تنتصب عالية تتخللها طرق مائية طويلة وقصيرة تشبه خريطة زرقاء متشحة بخضرة النباتات . ثمة عدد من المشاحيف الصغيرة تتوزع في متون الهور للصيد وهي مهمة شاقة ، فالصيادون يقضون وقتا طويلا في العمل الذي يبدأ من نصب الشباك حتى انتزاع الصيد منها. 
فوق الماء الذي يتموج بعض الأحيان بسبب هبوب رياح المنطقة تنتشر مجموعة من القوارب ، صادفت امرأة متوسطة العمر تدعى ( أم كامل ) كانت شغوفة بمهنتها وهي نقل نبات البردي والقصب كعلف للحيوانات أو استخدامه في بناء البيوت أو في ممارسة بعض الحرف اليدوية تقول أم كامل :" نحن هنا نعيش على خيرات المنطقة المليئة بالقصب والبردي والطيور والأسماك وهذه نعمة من الله يجب أن نشكره عليها ، أنا أعيل عائلة من أربعة نفرات فأهرع يوميا إلى الهور بزورقي هذا لاصطياد السمك أو لصيد الطيور أو جمع القصب والبردي، لا أشعر بالكلل مطلقا لأن العمل شرف الإنسان ، من المعيب والعار على الإنسان أن يكون عاطلا ويستنكف من العمل ولا يبادر ولا يسعى للحصول على قوت يومه ، فقيمة الإنسان بعمله فمن لا يكترث بل يستهين بالعمل فهو مسكين وجاهل".
 
مهنة قص القصب
من المهن المتداولة في هور الجبايش مهنة قص القصب ، سائق الزورق الشاب علي كاظم يمارس مهنة قص القصب وجمعه على شكل باقات ليبيعها على أصحاب الحرف اليدوية ليصنعوا منها الأثاث المنزلية البسيطة وخاصة البساط القصبي ( البارية ) . ويتطلب من علي أن يدخل الى الهور من الساعة الرابعة صباحا حتى وقت متأخر عند الظهيرة ، يقول علي :"إن هذا العمل يومي ودون استراحة ، لأن أي تهاون في العمل معناه البقاء دون دخل مالي للعائلة التي تنتظرنا... أجوب مياه الهور مع جماعة في زورق ولا يمكن أن يأتي الشخص لوحده خوفا من مفاجآت الهور وغابات القصب ، كأن يخرج علينا حيوان أو أفعى كبيرة أو مخاطر أخرى ولذا نكون في مأمن عندما نكون على شكل جماعة .وعند بيع القصب نشتري ما نحتاجه من حاجات ضرورية استهلاكية".
 
حضور الصحافة الدولية
خلال جولتي في منطقة الجبايش قررت الاتجاه غربا باتجاه ناحية الحمار ،وبالصدفة ألتقيت امرأتين صحافيتين قدمتا من إسطنبول ، الأولى تدعى جوليا هارت قدمت من اسطنبول، وهي من المهتمين بقضايا العدالة الاجتماعية والبيئية، بدأ اهتمامها في البيئة عندما كانت طفلة، فوالدها من علماء تغير المناخ المعروفين الذي يقضي الصيف في جبال روكي في ولاية كولورادو، الولايات المتحدة الأمريكية باحثا وقد تفتحت عيناها على الطبيعة مبكراً. كتبت مقالات عديدة حول قضايا الطاقة (خاصة مصادر الطاقة المتجددة ) ، وحول المشاكل البيئية ، وقد كتبت أيضا عن الأقليات العرقية في تركيا وخاصة الأكراد ، وعن الحقوق المدنية للمهاجرين الأفارقة.
أما الصحافية الثانية فهي آنا أوزبك التي ترعرعت في مدينة سياتل الأمريكية وتقيم الآن في اسطنبول قالت لي :" أنا هنا مع زميلتي جوليا منذ الثاني عشر من نيسان الجاري في ضيافة سكان الأهوار حيث مدينة الجبايش والأهوار الوسطى من جهة وهور الحمار من الجهة الأخرى سنتجول في المنطقة لمتابعة انعكاسات نقص مياه الأهوار وتأثير السدود التركية على طبيعة اهوار بلاد الرافدين وواقع الزراعة هنا إن مشروع سد أليسو يؤرقنا لما ينطوي على مخاطر جمة سيسببها أسفل حوض دجلة وسيعرض البيئة لمخاطر التصحر ،فالحكومة التركية تسابق الزمن في أنشاء سد أليسو على نهر دجلة وعلى بعد 65 كم من الحدود العراقية وهي غير مكترثة لما سيتعرض له العراق من مخاطر كما أنها غير قلقة بشأن غرق أكثر من 27 مدينة وقرية تركية في أعالي السد لعل أهمها مدينة حسن كييف التاريخية التركية ،إن السد يتعارض مع المعايير الأوربية وخاصة فيما يتعلق بدراسة الأثر البيئي للمشروع .وعلى هذا الأساس فقد كسبت نقابة المهندسين التركية حكما قضائيا بإيقاف بناء السد من أحدى المحاكم التركية في القضية التي رفعتها ضد حكومة بلدها في هذا الشأن في السابع من كانون الثاني عام 2013 لكن الحكومة التركية لم تصغ لمنطق البيئة أو القضاء وهي مستمرة في العمل على أنجاز المشروع ".
صرخة مدوية تنطلق
من هنا
تمثل رحلة الصحفيتين جوليا وآنا الى أهوار جنوب العراق والمناطق الزراعية الأخرى على حوض دجلة والفرات صرخة بوجه الحكومة التركية ودعوة للمجتمع العالمي للتنبه لمخاطر السدود التركية وخاصة سد أليسو على مستقبل أهوار بلاد الرافدين والزراعة فيها،فهما تدركان أهمية الإرث الحضاري لهذه المنطقة ومخاطر نقص المياه على الإنسان ووجوده ومجمل التنوع الإحيائي المهدد بكارثة حقيقية من جراء السياسة المائية لتركيا".
جوليا هارت منبهرة
يبدو أن طبيعة الهور الجميلة قد أخذت بمجامع قلب الصحافية جوليا هارت التي قالت :" لقد انبهرنا أنا وزميلتي آنا بالمشاهد الطبيعية الخلابة،وبمودة وطيبة السكان المحليين الأهواريين ، ما ألذ قهوة الصباح في المضايف السومرية وبالسمك المسكوف مع خبز التنور الحار،استهوانا (العكيد) فاكهة الهور ، وأذهلتنا صورة المرأة في الأهوار بنشاطها وحيويتها وحضورها الاقتصادي الفعال ".
 
إنشاء محمية الأهوار
اهتمام خبراء زراعيون في مدينة الناصرية جنوب العراق بإنشاء محمية في مناطق الاهوار يعد الخطوة الأولى من نوعها في العراق. ورأى الخبراء إن هذه المحمية تشكل في حال إقامتها نظاما بيئيا ومستودعا دائما لموارد اقتصادية مختلفة تسيطر عليها إدارات خاصة تأخذ على عاتقها الارتقاء بالعلاقات المتوازنة بين الإنسان ومكونات هذا النظم.
وعلى ما يبدو إن الحكومة العراقية مهتمة في تنفيذ هذا المشروع الذي يمثل جزءا من الأساس المادي للطبيعة والحياة كما إن هذه المحمية تشكل ثروة وطنية ينبغي المحافظة عليها من اجل تطويرها على غرار ما تقوم به دول العالم التي قطعت شوطا كبيرا في هذا المجال على حد تعبير بعض الخبراء الزراعيين الذين اتفقوا على ان العراق لا يزال متأخرا في وضع المحميات بل معدوما مقارنة مع أفقر الدول العربية. ويعكف الزراعيون في المحافظات الجنوبية لبناء محمية في بلدة الجبايش 65 كلم جنوب الناصرية الواقعة على أيسر الشارع العام الذي يربط الناصرية بقضاء القرنة التابع لمحافظة البصرة لتتغذى من منافذ متنوعة وبمساحة إجمالية لموقع المحمية يبلغ 7200 دونم وقال رئيس المهندسين الزراعيين في دائرة زراعة الناصرية فاضل عبد الله صكبان للمدى :" إن الهدف من بناء هذه المحمية التي تعد الأولى في العراق هو حماية بعض الأحياء من خطر التدهور والانقراض فضلا عن إنها تحافظ على ضمان التوازن البيئي واستمراريته مع إمكانية الاستغلال الأمثل والمنظم للموارد الحيوية من اجل سكان المنطقة المجاورة.
نظام بيئي متميز
وأن هذه المحمية ستساعد على حماية المصادر النباتية والحيوانية التي تستوطن المنطقة مع توفير الفرصة لإحداث التنمية في هذه المناطق النائية فضلا عن الاستغلال الأمثل للأراضي المغمورة، الى جانب إن المحمية بعد إقامتها ستكون مرفقا سياحيا فريداً من خلال التنزه والانسجام والاقتران مع عالم الطبيعة، كما أنها ستحافظ أيضا على استقرار الأوضاع البيئية.إن اختيار موقع هذه المحمية في منطقة الجبايش لما لها من مواصفات كوجود نظام بيئي متميز مع استمرارية تغذيتها بالمياه من نهر الفرات وإمكانية رفدها بمياه نهر دجلة إضافة الى أنها تؤمن للصيادين المحليين الاستمرارية في الصيد من خارج حدودها حيث ان زيادة كثافة الأحياء داخل المحمية يسبب نزوحا لها وهجرتها الى خارج المحمية.وأن هناك نتائج ستتحقق بعد إقامة هذه المحمية في العراق منها تحسين الظرف البيئي والمناخي فضلا عن تحسين الوضع الاقتصادي والاجتماعي لكونها موقعا متميزا لإجراء الأبحاث العلمية في محاولة لاستعادة وتنشيط التنوع الحيوي مع وجود رغبة وتعاون من قبل المعنيين والمهتمين في هذا المجال لإقامة هكذا مشاريع تعود بالفائدة على البلاد".
 
تنوع حيوي
في ذي قار يرى المهتمون بتحسين وتطوير بيئة الأهوار إن إقامة المحميات الطبيعية في منطقة الجبايش يأتي على خلفية توافر مجموعة من المقومات هي كالتالي :
احتواء الموقع على تنوع حيوي غزير من ناحية النباتات المائية و الأسماك و الطيور، و ابتعاد الموقع عن المؤثرات والنشاطات البشرية الكثيفة واقتصارها على فعاليات جمع القصب في أطراف المحمية،و يزداد عمق الماء في المحمية كلما اتجهنا شمالاً،كذلك وجود مناطق مفتوحة داخل الموقع تزداد فيها النباتات الغاطسة والطافية بحيث تمثل مناطق بيئية خاصة ذات مواصفات فريدة،فضلا عن سهولة الوصول الى داخل المحمية لوجود الممرات السالكة،و وجود أماكن لرعي الجاموس في أطراف موقع المحمية،إضافة الى خلو الموقع من التجمعات السكانية،و استعادة واضحة ومميزة للحياة والنظام البيئي للموقع، حيث توجد كميات كبيرة من القصب المرتفع التي توفر مناطق حماية للكائنات الحية،واستمرارية تغذيتها بمياه نهر الفرات،ووجود رغبة وتعاون من قبل سكان المنطقة في استخدام الموقع كمحمية طبيعية.
 
مطالبات بدعم المحميات
يحتاج إنشاء المحميات في منطقة الأهوار إلى سن قوانين تسهم في حال تطبيقها إلى توفير الحماية لها من العبث مع ضمان المحافظة على معالمها النباتية والحيوانية حيث طالب العديد من الزراعيين والمهتمين في هذا المجال بدعم حكومي مع سن قانون وقرارات خاصة بالمحميات وضرورة التنسيق مع مديرية الموارد المائية في المحافظة لرفدها بالمياه وإمكانية تحسين نوعية المياه، مشيرين في دعوتهم الى ضرورة إشراك الكوادر العاملة في المحمية بالدورات التدريبية الخارجية. يذكر إن أول محمية قامت في العالم هي يلو ستون في وسط الغرب الأميركي عام 1872 وبمساحة 8 مليون دونم.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 2

  1. فاضل عباس عبد الركابي

    تحقيق رائع أتمنى للكاتب الصحفي يعقوب يوسف جبر المزيد من النجاح في تغطياته الصحفية

  2. م .الرمل

    موضوع قيم ورائع

يحدث الآن

تربوي يشيد بامتحان "البكالوريا" ويؤكد: الخطا بطرق وضع الأسئلة

إطلاق سراح "داعشيين" من قبل قسد يوتر الأجواء الأمنية على الحدود العراقية

(المدى) تنشر مخرجات جلسة مجلس الوزراء

الحسم: أغلب الكتل السنية طالبت بتعديل فقرات قانون العفو العام

أسعار صرف الدولار في العراق تلامس الـ150 ألفاً

ملحق منارات

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية
تحقيقات

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية

 اياد عطية الخالدي تمتد الحدود السعودية العراقية على مسافة 814 كم، غالبيتها مناطق صحراوية منبسطة، لكنها في الواقع مثلت، ولم تزل، مصدر قلق كبيراً للبلدين، فلطالما انعكس واقعها بشكل مباشر على الأمن والاستقرار...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram